المسلم إذا ترك شيئا من الواجبات لعدم علمه بوحوبها ، فقد اختلف العلماء : هل يحب عليه إعادة ما فسد بسبب ترك هذا الواجب أم لا ؟ فأكثر العلماء على أنه يجب عليه الإعادة ، وقد رجح الإمام ابن تيمية أن مثل هذا لا يجب فيه الإعادة ، واستدل على ذلك بأدلة قوية .
يقول الدكتور القرضاوي نقلا عن شيخ الإسلام ابن تيمية :-
الشريعة ليس فيها إيجاب الصلاة مرتين، ولا الصيام مرتين، إلا بتفريط العبد. فأما مع عدم تفريطه، فلم يوجب الله صوم شهرين في السنة، ولا صلاة ظهرين في يوم، وهذا مما يعرف به ضعف قول من يوجب الصلاة، ويوجب إعادتها. فإن هذا أصل ضعيف. كما بسط القول عليه في غير هذا الموضع.
ويدخل في هذا من يأمر بالصلاة خلف الفاسق وإعادتها، وبالصلاة مع الأعذار النادرة التي لا نتصل وإعادتها، ومن يأمر المستحاضة بالصيام مرتين ونحو ذلك مما يوجد في مذهب الشافعي وأحمد في أحد القولين.
فإن الصواب ما عليه جمهور المسلمين أن من فعل العبادة كما أمر بحسب وسعه، فلا إعادة عليه، كما قال تعالى: (فاتقوا الله ما استطعتم) ولم يعرف قط أن رسول الله ﷺ أمر العبد أن يصلي الصلاة مرتين، لكن يأمر بالإعادة من لم يفعل ما أمر به، مع القدرة على ذلك، كما قال للمسيء في صلاته: “ارجع فصل فإنك لم تصل” وكما أمر من صلى خلف الصف وحده أن يعيد الصلاة، فأما المعذور كالذي يتيمم لعدم الماء، أو خوف الضرر باستعماله لمرض أو لبرد، وكالاستحاضة، وأمثال هؤلاء؛ فإن سنة رسول الله ﷺ في هؤلاء أن يفعلوا ما يقدرون عليه بحسب استطاعتهم، ويسقط عنهم ما يعجزون عنه، بل سنته فيمن كان لم يعلم الوجوب: أنه لا قضاء عليه؛ لأن التكليف مشروط بالتمكن من العلم والقدرة على الفعل.
ولهذا لم يأمر عمر وعمارا بإعادة الصلاة، لما كانا جنبين. فعمر لم يصل، وعمار تمرغ كما تتمرغ الدابة، ظنا أن التراب يصل إلى حيث يصل الماء، وكذلك الذين أكلوا من الصحابة حتى تبين لهم الحبال السود من البيض: لم يأمرهم بالإعادة. وكذلك الذين صلوا إلى غير الكعبة قبل أن يبلغهم الخبر الناسخ لم يأمرهم بالإعادة، وكان بعضهم بالحبشة، وبعضهم بمكة، وبعضهم بغيرها، بل بعض من كان بالمدينة صلوا بعض الصلاة إلى الكعبة، وبعضها إلى الصخرة، ولم يأمرهم بالإعادة، ونظائرها متعددة.
فمن استقرأ ما جاء به الكتاب والسنة تبين له أن التكليف مشروط بالقدرة على العلم والعمل، فمن كان عاجزا عن أحدهما سقط عنه ما يعجزه، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها.