اتفق الفقهاء أن على المرأة أثناء الصلاة أن تستر كل جسمها ما عدا الوجه والكفين، وستر الساقين إلى الكعبين مما لا خلاف عليه بين الفقهاء، أما ستر ظهور القدمين فمما اختلف فيه العلماء، والجمهور على وجوب سترها، ويشترط في اللباس الذي تستتر به المرأة أن يكون واسعا لا يصف حجم أعضائها، ولا يحدد أجزاء جسمها، فإذا اتخذت المرأة بنطالا واسعا بهذا الوصف فلا مانع منه، أما إذا صلت في بنطال يحدد أجزاء جسمها، ويبرز أعضاءها كانت صلاتها باطلة، وإذا اتخذت المرأة سترة طويلة فوق البنطال تغطي عجيزتها صحت صلاتها حتى لو لم يكن البنطال فضفاضا .

يقول الدكتور حسام الدين عفانه أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس:-

نص أهل العلم على أنه يجب على المرأة إذا صلت أن تستر جميع بدنها ما عدا الوجه والكفين ومن ضمن شروط لباس المرأة أن يكون لباسها فضفاضاً غير ضيق فيصف شيئاً من جسمها . ويدل على ذلك ما جاء في حديث أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال :( كساني رسول الله قبطية كثيفة مما أهداها له دحية الكلبي فكسوتها امرأتي . فقال : مالك لم تلبس القبطية ؟ قلت : كسوتها امرأتي . فقال : مرها فلتجعل تحتها غلالة فإني أخاف أن تصف حجم عظامها ) رواه أحمد والبيهقي والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة وهو حديث حسن كما قال الشيخ الألباني.
ففي هذا الحديث أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بأن تجعل المرأة تحت القبطية غلالة – وهي شعار يلبس تحت الثوب – ليمنع وصف بدنها والأمر يفيد الوجوب كما هو معلوم عند الأصوليين .

وقد نص أهل العلم أيضاً على أن أقل اللباس المجزئ للمرأة في صلاتها هو درع وخمار فالخمار تغطي به رأسها وعنقها والدرع تغطي به البدن والرجلين . فقد جاء في الحديث عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت الرسول صلى الله عليه وسلم : ( أتصلي المرأة في درع وخمار ليس عليها إزار ؟ فقال : إذا كان الدرع سابغاً يغطي ظهور قدميها ) رواه أبو داود بإسناد جيد كما قال الإمام النووي ورواه الحاكم وقال : حديث صحيح على شرط البخاري .

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه :[ تصلي المرأة في ثلاثة أثواب درع وخمار وإزار ] رواه البيهقي في السنن الكبرى 2/235 . وقالت عائشة رضي الله عنها :[ لا بد للمرأة من ثلاثة أثواب تصلي فيها : درع وجلباب وخمار وكانت عائشة تحل إزارها فتتجلبب به ] رواه ابن سعد بإسناد صحيح على شرط مسلم . وإنما كانت عائشة تفعل ذلك لئلا يصفها شيء من ثيابها.
وقولها :( لا بد ) دليل على وجوب ذلك . وقال ابن عمر رضي الله عنهما :[ إذا صلت المرأة فلتصل في ثيابها كلها الدرع والخمار والملحفة ] رواه ابن أبي شيبة في المصنف بسند صحيح كما قال الشيخ الألباني . والملحفة هي الجلباب .

وسئلت أم سلمة رضي الله عنها :[ ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب ؟ فقالت : في الخمار والدرع السابغ الذي يغيب ظهور قدميها ] رواه مالك في الموطأ . وقال مكحول سألت عائشة :[ فبكم تصلي المرأة ؟ فقالت : ائت علياً فاسأله ثم ارجع إلي . فقال : في درع سابغ وخمار فرجع إليها فأخبرها فقالت : صدق ] رواه عبد الرزاق في المصنف ،وابن أبي شيبة أيضاً.

وهذه النصوص المذكورة عن الصحابة قال بها الأئمة من أصحاب المذاهب الأربعة وغيرهم . قال الحافظ ابن عبد البر :[والذي عليه فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق أن على المرأة الحرة أن تغطي جسمها كله بدرع صفيقٍ سابغٍ وتخمر رأسها فإنها كلها عورة إلا وجهها وكفيها وأن عليها ستر ما عدا وجهها وكفيها ].

وقد سئل الإمام أحمد :[ المرأة في كم ثوب تصلي ؟ قال : أقله درع وخمار وتغطي رجليها ويكون درعاً سابغاً يغطي رجلها ]. وقال الإمام أحمد أيضاً :[ قد اتفق عامتهم – أي العلماء – على الدرع والخمار وما زاد فهو خير وأستر؛ ولأنه إذا كان عليها جلباب فإنها تجافيه راكعة وساجدة لئلا تصفها ثيابها فتبين عجيزتها ومواضع عورتها ].

وصلاة المرأة في البنطلون ولو كانت في بيتها لا يراها أحد غير صحيحة لأنها أخلت بشرط من شروط ستر العورة وهو أن يكون لباسها فضفاضاً سابغاً، والبنطلون ليس كذلك بل هو ضيق ملتصق بلحمها وعظمها يصف حجم أعضائها .

وما ينسب لمذهب الشافعية من جواز صلاة المرأة في الملابس الضيقة غير مسلّم به بل إن الإمام الشافعي على خلاف ذلك فقد قال الإمام الشافعي في كتابه الأم :[ وإن صلى – أي الرجل – في قميص يشف عنه لم تجزه الصلاة … فإن صلى في قميص واحد يصفه ولم يشف كرهت له ولا يتبين أن عليه إعادة الصلاة والمرأة أشد حالاً من الرجل إذا صلت في درع وخمار يصفها وأحب إليّ أن لا تصلي إلا في جلباب فوق ذلك وتجافيه عنها لئلا يصفها الدرع ].

يقول الشيخ عطية صقر – رحمه الله تعالى – :-

ستر العورة مطلوب لصحة الصلاة باتِّفاق العلماء، حتى لو كان الإنسان يُصلِّي وحده لا يراه أحد، فهو حق لله سبحانه، وعوْرة الرجل هي ما بين السُّرَّة والرُّكْبة تبطل الصلاة بانكشاف أي جزء منها عند الأئمة الثلاثة، أما عند مالك فتبطُل الصلاة إذا انكشفت السوأتان وهما القُبُل والخِصيتان وحَلقة الدُّبُر، ولا تبْطُل إذا انكشف سواهما مما هو بين السُّرَّة والرُّكبة، ولا تُسَنُّ إعادة الصلاة إلا إذا انكشفت العانة أو الإليتان أو ما بينهما حول حلقة الدبر، فيعيد في الوقت، وإن كان كشف العورة حرامًا أو مكروهًا .

وقد جاء في عورة المرأة قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ “لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار” رواه أحمد وأصحاب السنن . والمراد بالحائض المرأة البالغة حدَّ التكليف. وروي أبو داود عن أم سلمة رضي الله عنها أنها سألت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أَتُصلِّي المرأة في درع وخمار وليس عليها إزار؟ فقال: “إذا كان الدرع سابغًا يُغطي ظهور قدميها” .الخمار هو غطاء الرأس، والإزار ما يستر الجزء الأسفل من الجسم، والدرع ما يستر أعلاه، وهو للمرأة ما يغطي بدنها ورجليها .

وهذه آراء الفقهاء في تحديد عورة المرأة ، مع العلم بأنه لا مانع من الأخذ بأحد هذه الآراء:

فعورة المرأة الحُرَّة في الصلاة عند الحنفية جميع بدنها، ويُستثنى من ذلك باطن الكفين فإنه ليس بعورة، بخلاف ظاهرهما، كما يُستثنى ظاهر القدمين فإنه ليس بعورة، بخلاف باطنهما فإنه عورة عكس الكفين.

وعورتها عند الشافعية جميع بدنها، ويُستثنى من ذلك الوجه والكفان فقط، ظاهرهما وباطنهما.

وعورتها عند الحنابلة جميع بدنها، ويستثنى فقط الوجه وما عداه منها فهو عورة، وعورتها عند المالكية قسمان، مُغلَّظة ومخفَّفة، ولكل منهما حكمه، فالمغلظة جميع بدنها ما عدا الأطراف والصدر وما حاذاه من الظهر، والمخفَّفة لها هي الصدر وما حاذاه من الظهر والذراعين والعنق والصدر، ومن الركبة إلى آخر القدم، (هذا التحديد يقارب التحديد بأن المغلظة هي ما بين السرَّة والركْبة، والمخفَّفة ما عدا ذلك، كعورة الرجل) أما الوجه والكفان ظهرًا وبطنًا فهما ليسا من العورة مطلقًا.

فإن انكشف شيء من العورة المغلَّظة بَطُلَت الصلاة إن كان قادرًا ذاكرًا وإعادتها وجوبًا، أمَّا إن انكشف شيء من العورة المخففة فلا تبطل الصلاة وإن كان كشفها حرامًا أو مكروهًا في الصلاة ويَحْرُم النظر إليها، ولكن يُستحب لها أن تُعيد الصلاة بعد ستر العورة إذا كان الوقت باقيًا .

والساتر للعورة لا بُدَّ أن يكون كثيفًا لا يصف لون البشرة التي تحته، ولا يضر إن كان مُحدِّدًا لها لاصقًا بها عند الجمهور، وتبطل باللاصق عند المالكية وتُعاد الصلاة في الوقت.

وستر العورة لا بُدَّ من دوامه إلى آخر الصلاة، فلو انكشف شيء منها قبل إتمام الصلاة وكان بقصد بطلت الصلاة، أما إن كان بغير قصد فلا تبطل إن كان يسيرًا وسترها في الحال بدون عمل كثير عند بعض الأئمة “