يقول الشيخ عبد الخالق الشريف:
الإسلام لم يحدد زيًًّا معينًًا للمرأة، ولكن حدد أن يكون ساترًًا لها، حيث إن المرأة كلها عورة إلا الوجه والكفّين على رأي راجح عند العلماء، وبعضهم يرون أن الوجه والكفين من العورة، فالمطلوب إذًًا من المرأة أن تلبس ثيابًًا واسعًةً تستر جسدها ولا تُجَسِّده ولا تَصِفُه، فإذا تحقق ذلك بلبس البنطلون الواسع وعليه ثوب من أعلى يستر باقي الجسد إلى الركبة مثلاًً، بحيث لا يكون جسدها مجسدًًا وظاهرًًا مع تغطية باقي الأعضاء، فلا يمكن النهي عن مثل ذلك، وعلى هذا أختي الكريمة فإن المقصود هو تحقيق ستر جسد المرأة بأية كيفية تحقق هذا الأمر، أما البنطلون المُسمَّى الإسترتش أو الضيق الذي يظهر فتنتها، فمثله مثل الثوب الضيق ومثل الثوب الشفاف كله يدخل في باب المحرم والمنهي عنه.
ما هو اللباس الشرعي للمرأة في الصلاة:
اللباس الشرعي للمرأة في الصلاة هو كل لباس ساتر لجميع بدنها عدا الوجه والكفين ، ويكون واسعا فضفاضا ، بحيث لا يحدد شيئا من أعضائها .
ويدل على اشتراط كون لباس المرأة ساتراً لجميع بدنها في الصلاة : حديث أم سلمة رضي الله عنها لمَّا سُئِلت عما تصلي فيه المرأة من الثياب ، فقالت : ( تُصَلِّي فِي الْخِمَارِ وَالدِّرْعِ السَّابِغِ الَّذِي يُغَيِّبُ ظُهُورَ قَدَمَيْهَا ) رواه أبو داود . وقد روي مرفوعا عن النبي ﷺ ، قال الحافظ ابن حجر : وصحح الأئمة وقفه.
وقال ابن تيمية : المشهور أنه موقوف على أم سلمة إلا أنه في حكم المرفوع “شرح كتاب الصلاة من العمدة”.
فلا بد في اللباس أن يكون ساتراً لجميع البدن عدا الوجه.
حكم ستر المرأة للكفين والقدمين في الصلاة:
اختلف العلماء في وجوب ستر المرأة للكفين والقدمين في الصلاة :
أما الكفان : فذهب الجمهور إلى عدم وجوب سترهما ، وعن الإمام أحمد فيهما روايتان ، واختار شيخ الإسلام ابن تيمية عدم الوجوب ، وقال في الإنصاف : وهو الصواب .
وأما القدمان : فالجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة على وجوب سترهما ، وهو الذي عليه فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء .
وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- :
” أما المرأة فكلها عورة في الصلاة إلا وجهها واختلف العلماء في الكفين : فأوجب بعضهم سترهما ، ورخص بعضهم في ظهورهما ، والأمر فيهما واسع إن شاء الله ، وسترهما أفضل خروجاً من خلاف العلماء في ذلك ، أما القدمان : فالواجب سترهما في الصلاة عند جمهور أهل العلم ” انتهى .
وذهب الإمام أبو حنيفة والثوري والمزني إلى جواز كشف المرأة قدميها في الصلاة ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ، والمرداوي في الإنصاف .
وقال الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله تعالى- :
وليس هناك دليل واضح على هذه المسألة ، ولهذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية إلى أن الحرة عورة إلا ما يبدو منها في بيتها وهو الوجه والكفان والقدمان . وقال : إن النساء في عهد الرسول ﷺ كُنَّ في البيوت يَلْبَسْن القُمُص ، وليس لكل امرأة ثوبان ، ولهذا إذا أصاب دم الحيض الثوب غسلته وصلت فيه ، فتكون القدمان والكفان غير عورة في الصلاة ، لا في النظر ، وبناء على أنه ليس هناك دليل تطمئن إليه النفس في هذه المسألة فأنا أقلد شيخ الإسلام فيها ، وأقول : إن هذا هو الظاهر ، إن لم نجزم به ، لأن المرأة حتى وإن كان لها ثوب يضرب على الأرض فإنها إذا سجدت سوف يظهر باطن قدميها ” انتهى .
وإذا كان الثوب خفيفا بحيث يشف عما تحته ، ويظهر من ورائه لون الجلد فإنه لا يعتبر ساترا .
ويدل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله ﷺ : ( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا : قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ . . . الحديث) . رواه مسلم.
وقوله : ( كاسيات عاريات) قال النووي في “المجموع” : ” قيل : تلبس ثوباً رقيقاً يصف لون بدنها ، وهو المختار ” انتهى .
وقال ابن عبد البر في التمهيد : ” وأما معنى قوله : ( كاسيات عاريات ) فإنه أراد اللواتي يلبسن من الثياب الشيء الخفيف الذي يصف ولا يستر ، فهن كاسيات بالاسم ، عاريات في الحقيقة ” انتهى .
ويدل على كونه واسعاً فضفاضاً : حديث أسامة بن زيد رضي الله عنه قال : إن النبي ﷺ كساني قُبطية مما أهداه له دحية الكلبي ، فكسوتها امرأتي ، فقال رسول الله ﷺ : ( مالك لا تلبس القبطية ؟) قلت : كسوتها امرأتي . فقال : ( مرها فلتجعل تحتها غلالة إني أخاف أن تصف حجم عظامها ) . رواه البيهقي وحسنه الألباني.
والقبطية ثياب كتان بيض رقاق تعمل بمصر . “لسان العرب” .
والغلالة ثياب تلبس تحت الثياب .
وعلى هذا فلا يجوز للمرأة أن تلبس ثيابا ضيقة تحدد عورتها ، كالبنطلون .
قال الشيخ ابن عثيمين :
” حتى وإن كان واسعاً فضفاضاً ، لأن تميز رِجْل عن رِجْل يكون به شيء من عدم الستر ، ثم إنه يخشى أن يكون ذلك من تشبه النساء بالرجال ، لأن البنطال من ألبسة الرجال ” انتهى .
هل تجوز صلاة المرأة بالبنطال:
أما عن صحة الصلاة ، إن خالفت وصلت بهذه الثياب الضيقة ، فإنها صحيحة ، لأن الواجب عليها ستر العورة وقد حصل .
وقال الشيخ صالح الفوزان :
” الثياب الضيقة التي تصف أعضاء الجسم وتصف جسم المرأة وعجيزتها وتقاطيع أعضائها لا يجوز لبسها ، والثياب الضيقة لا يجوز لبسها للرجال ولا للنساء ، ولكن النساء أشد ؛ لأن الفتنة بهن أشد .
أما الصلاة في حد ذاتها ؛ إذا صلى الإنسان وعورته مستورة بهذا اللباس ؛ فصلاته في حد ذاتها صحيحة ؛ لوجود ستر العورة ، لكن يأثم من صلى بلباس ضيق ؛ لأنه قد يخل بشيء من شرائع الصلاة لضيق اللباس ، هذا من ناحية ، ومن ناحية ثانية : يكون مدعاة للافتتان وصرف الأنظار إليه ، ولاسيما المرأة ، فيجب عليها أن تستتر بثوب واف واسع ؛ يسترها ، ولا يصف شيئا من أعضاء جسمها ، ولا يلفت الأنظار إليها ، ولا يكون ثوبا خفيفا أو شفافا ، وإنما يكون ثوبا ساترا يستر المرأة سترا كاملا ” انتهى .