العبرة في دراسة القانون الوضعي بالنية.
يقول فضيلة الدكتور سلمان العودة :
-إذا كان المرء يدرس في كلية أو معهد تدرس فيه بعض المواد بطريقة مخالفة للشرع، مثل: تدريس الربا والفوائد الربوية، وتدريس التجارات المحرمة، أو تدريس القوانين المخالفة لشريعة الله، ونحو هذا.فإن كان يدرسها لغرض نقدها، وبيان مخالفتها، والسعي في تقديم البديل المناسب لها، وحماية المسلمين من آثارها، فهو بذلك على خير، وترجى له المثوبة.
-أما إن كان يدرسها ليحصل على الشهادة التي يتم التوصل بها إلى الوظيفة، وهو لا ينوي أن يعمل في دعم تلك الأعمال المحرمة التي درسها، ولا أن يتوظف في قطاعاتها، ولكنها كانت من الدراسات المكملة التي لا بد من اجتيازها، فليس عليه في دراسته حرج -إن شاء الله-.
-أما لو درسها ليعمل فيها، ويكرس وجودها، ويساعد في بقائها وتطويرها، فالدراسة حينئذ حرام عليه، والعمل كذلك حرام عليه، وهو قد توصل بما حرم الله إلى ما حرم الله، فالوسيلة والغاية كلتاهما من المعصية.”إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى” رواه البخاري(1) ومسلم(1907).
وبهذا الجواب المجمل يتضح أن من الممكن خدمة دين الله -عز وجل- من خلال تلك الدراسات، سواء بنقدها وبيان خطرها وضررها، أو بتقديم البديل الصالح الذي ينقذ المسلمين منها، أو بالحصول على الخبرة الضرورية التي لا يمكن التصحيح والتعديل إلا من خلالها. (انتهى).
وأما العمل بالقانون الوضعي فسوف نبدأ بسرد النصوص الواردة ونستخلص منها الحكم فنقول وبالله التوفيق
جاء فى البحر الرائق شرح كنز الدقائق ج- 6 ص 254 في أول باب القضاء نقلا عن البدائع ( وفي البدائع الحكم بين الناس بالحق وهو الثابت عند الله تعالى من حكم الحادثة إما قطعا بأن كان عليه دليل قطعي وهو النص المفسر من الكتاب أو السنة المتواترة أو المشهورة أو الإجماع وإما ظاهرا بأن أقام عليه دليلا ظاهرا يوجب علم غالب الرأى وأكثر الظن، وهو ظاهر الكتاب والسنة ولو خبر واحد والقياس وذلك في المسائل الاجتهادية التي اختلف فيها الفقهاء أو التي لا رواية فيها عن السلف فلو قضى بما قام الدليل القطعي على خلافه لم يجز ، لأنه قضى بالباطل قطعا، وكذا لو قضى في موضع الاختلاف بما هو خارج عن أقاويل الفقهاء لم يجز، لأن الحق لم يتجاوزهم، ولذا لوقضى بالاجتهاد فيما فيه نص ظاهر بخلافه لم يجز، لأن القياس في مقابلة النص باطل ولو ظاهرا )
وطاعة الإمام واجبة فيما يوافق الشرع . قال صاحب الدر المختار أمر السلطان إنما ينفذ إذا وافق الشرع وإلا فلا .
أشباه من القاعدة الخامسة وفوائد شتى. وقد أجاب صاحب تنقيح الحامدية في السؤال على ما إذا حكم القاضي بخلاف الشرع بقوله إذا حكم الحاكم بخلاف الشرع الشريف وأعطى بذلك حجة لا ينفذ الحكم المذكور ولا يعمل بالحجة والحالة هذه .
قال الله تعالى { ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون } المائدة 45 ، وقال عليه الصلاة والسلام قاض في الجنة وقاضيان في النار أي قاض عرف الحق وحكم به فهو في الجنة وقاضٍ عرف الحق وحكم بخلافة فهو في النار .
وكذا قاض قضى على جهل .
ومما سبق يتبين أن القاضي الذي ينصبه السلطان للحكم بين الناس طبقا للشريعة الإسلامية ثم يطلب منه الحكم في الجلسات المدنية والجنائية طبقا للقانون الوضعي لا يكون محقا في امتناعه عن حضور تلك الجلسات بحجة أنه لا يحكم إلا بالشريعة الإسلامية ولا يعترف بالقوانين الوضعية .
وذلك لأن القوانين الوضعية لا تخالف في جملتها الشريعة الإسلامية، بل منها ما يوافق الشريعة الإسلامية ومنها ما يخالفها، وليس للقاضي أن يمتنع عن تطبيق القوانين الوضعية لأنها قوانين وضعية ولو كانت أحكامها مستمدة من الشريعة الإسلامية، بل عليه أن يحضر الجلسات وينظر في القضايا التي يناط إليه نظرها مدنية كانت أم جنائية، ويحكم فيما يعرض عليها منها طبقا للقوانين الوضعية في الأمور التي لا يرى أن حكمها الوضعي مخالف للشريعة الإسلامية، كالحكم برد الوديعة والقرض وأداء الدين، وكالحكم بقتل القاتل العامد ونحو ذلك ويكون مؤاخذا بالامتناع، ولا يكون مؤاخذا إذا امتنع عن تطبيق القانون الوضعي في الأمور الواضحة مخالفتها للشريعة الإسلامية، كالحكم بالفائدة للدين وهي ربا محرم، ونحو ذلك من الأمور التي اتفق الفقهاء على عدم حلها .