تسمية السور القرآنية أكثرها توقيفي، وقال بعض العلماء: إنه توفيقى، والاثنان بمعنى واحد؛ فإما أن النبي صلى الله عليه وسلم أوقفهم على الاسم، أو أنه صلى الله عليه وسلم وفّق، والوحي أيده في ذلك، ولكن إذا سميت السورة في المصحف الشريف بعلامة من داخلها فعلى الراجح من أقوال العلماء أنها من النبي صلى الله عليه وسلم.
وسورة البقرة من العجيب أن بها أفضل آية في القرآن على الإطلاق وهي آية الكرسي، وبها آيتان أنزلتا من كنز من تحت عرش الرحمن، وهما أواخر سورة البقرة، وبها أطول آية في القرآن وهي آية الدين، وبها حديث طويل عن الحج والربا والبيوع والرهن والطلاق.. ومع ذلك فلم تسمّ السورة بشيء من هذا كله، وسميت بسورة “البقرة”، وهي حادثة حدثت بين موسى عليه السلام وقومه من بني إسرائيل الذين جادلوه، وما أطاعوا الأمر الآتي إليه من الله، بل قالوا له: “أتتخذنا هزوًا” ثم جادلوه مراراً وتكراراً، وكأننا نشعر أن هذه السورة الكريمة سميت بهذا الاسم تحذيراً لنا من منهج اليهود في المجادلة، وتنبيهًا لنا على خطأ أسلوبهم الذي استخدموه مع الله ومع أنبياء الله؛ أليسوا هم الذين قالوا: “سمعنا وعصينا”؛ ولذلك كان في ختام هذه السورة أن الله علمنا أن نقول: “سمعنا وأطعنا.

أما حديث القرآن في هذه السورة نعني سورة البقرة عن اليهود؛ فقد اختلف كثيراً عن الحديث عنهم في معظم سور القرآن على النحو التالي:
أ- القرآن في سورة البقرة بعد الحديث عن خلق آدم وهبوطه إلى الأرض تحدث مباشرة عن بني إسرائيل، دون الحديث عن قوم نوح وعاد، على ما جرى في كثير من سور القرآن.

ب- أن الحديث عنهم بدأ ببيان أسس التمكين في الأرض: “يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون وآمنوا بما أنزلت مصدقاً لما معكم ولا تكونوا أول كافر به ولا تشتروا بآياتي ثمناً قليلا وإياي فأتقون…” الآيات من 40 إلى 46 من سورة البقرة.

ج- من المعلوم أن أركان الإيمان هي الإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين على ما ورد في الآية 177 من سورة البقرة، فإذا استعرضنا أحوال اليهود مع أركان الإيمان نجد الآتي:

أ – استبدلوا “الإيمان بالله” بعبادة العجل، وجعلوا عزيراً ابناً لله. ومن المدهش أننا نرى كثيراً من الخلق قد كفروا بالله واتخذوا آلهة من دونه، ولكننا فيما نقل إلينا في القرآن لم نجد قوما تطاولوا على الله كاليهود فقالوا “يد الله مغلولة غلت أيديهم ولُعنوا بما قالوا”، وقالوا أيضاً: “الله فقير ونحن أغنياء”.. وهكذا تطاول اليهود على الله
بل في توراتهم المحرّفة يدعون أن “يهوه” هو إله خاص بهم، وأنه اختارهم من دون الخلق؛ فهو رب إسرائيل وليس رب العالمين، ووصفوه بأنه جبان وجهول وحسود وحقود وجائر وظلوم ويخطأ ويندم ويضرب نفسه ويبكي على ما فعله بشعبه المختار، وينسى ويحتاج إلى من ينبهه، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

ب – بالنسبة للدار الآخرة، فكما جاء في القرآن حرف اليهود حقيقة الدار الآخرة إلى أن لهم فيها نعيماً، لا يمسون فيها بعذاب، فقال تعالى حاكيا عنهم: “وقالوا لن يدخل الجنة إلا ما كان هودا أو نصارى تلك أمانيهم قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين” الآية 111، سورة البقرة، وقالوا: “لن تمسنا النار إلا أيامًا معدودة” الآية 80 من سورة البقرة.

والمطّلع على التوراة لا يكاد يرى شيئاً عن الدار الآخرة، ومبلغ علمهم بالجنة أن يحصلوا على أرض فلسطين.

ج – أما بالنسبة للملائكة فقد حكت سورة البقرة موقفهم العدائي من جبريل عليه السلام؛ قال تعالى: “قل مَن كان عدوًّا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين” الآية 97 من سورة البقرة.

د – أما بالنسبة للكتب السماوية، فقد حرفوها واشتروا بآيات الله ثمنا قليلاً، وتحدث القرآن عنهم في سورة البقرة في الآيات 75 ، 93 من سورة البقرة وغيرها كثير من القرآن.

هـ- أما بالنسبة للأنبياء فكما قال تعالى: “فقد أخذنا ميثاق بني إسرائيل وأرسلنا إليهم رسلا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم فريقاً كذبوا وفريقاً يقتلون” الآية 70 من سورة المائدة.