كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب فهو مباح إن كان المقصود مباحا.
قال ابن القيم في ( زاد المعاد ) ج 2 ص 145 : يجوز كذب الإنسان على نفسه وعلى غيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه ، كما كذب الحجاج بن علاط على المشركين حتى أخذ ماله من مكة من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك الكذب ، وأما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذى والحزن فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب ....، إلى أن قال : ونظير هذا الإمام والحاكم يوهم الخصم خلاف الحق ليتوصل بذلك إلى استعمال الحق ، كما أوهم سليمان بن داود عليهما السلام إحدى المرأتين بشق الولد نصفين ، حتى يتوصل بذلك إلى معرفة عين أمه . انتهى .
ومنه كذب عبد الله بن عمرو بن العاص على الرجل الذى أخبر النبي ﷺ أنه من أهل الجنة . فلازمه أياما ليعرف حاله ، وادعى أنه مغاضب لأبيه ، رواه أحمد بسند مقبول ( الترغيب والترهيب ج 3 ص 219 ) ويقاس عليه حلف اليمين لإنجاء معصوم من هلكة ، واستدل عليه بخبر سويد بن حنظلة أن وائل بن حجر أخذه عدوا له فحلف أنه أخوه ، ثم ذكروا ذلك للنبي ﷺ فقال ( صدقت ، المسلم أخو المسلم ) الآداب الشرعية لابن مفلح ، ويمكن الرجوع في استيضاح هذه النقطة إلى ( نيل الأوطار للشوكاني ج 8 ص 85 ) وإلى (إحياء علوم الدين للإمام الغزالي ج 7 ص 119).
ومن هذا الباب كذبات إبراهيم عليه السلام ، وهي معاريض ، حيث قال عندما كسر الأصنام ( بل فعله كبيرهم هذا ) وعندما طلب لمشاركتهم في العيد ( إني سقيم ) وقوله عن زوجته : إنها أخته لينقذها من ظلم فرعون ( مصابيح السنة للبغوي ج 25 ص 157 ) المسألة لها جوانب متعددة.
ونخلص إلى أن الكذب الذى لا يترتب عليه ضرر وتتحقق به مصلحة مشروعة هو جائز؛ ولكن ينبغي أن يكون في أضيق الحدود ، لما فيه من ضرر للغير ولو كان بسيطا في نظر الكاذب فقد يكون كبيرا في نظر المكذوب عليه وفي المعاريض مندوحة عنه ، وكذلك في المداراة التي هي بذل الدنيا لصلاح الدنيا أو الدين أو هما معا ، وهي خلاف المداهنة التي يمكن معرفة الفرق بينهما من كتاب : المواهب اللدنية للقسطلانى ( ج 1 ص 291 ) وسراج الملوك للطرطوشى ( ص 79 ) وإحياء علوم الدين للغزالى ( ج 3 ص 138 ) .
وعليه فالذي تفعله الزوجة في مثل هذه الحالات ليس كذبا وإن كان فهو من الكذب المباح ومن الستر على الزوج.