يقول فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي :
الرقية في حقيقتها: دُعاء والْتِجاء إلى الله ـ تعالى ـ رب الناس، ومُذْهِب البأس، أن يَكْشِف الضُّرَّ، ويَشْفِي السقيم، فهي لَوْنٌ من الطِّبِّ المَعْنَوِي أو الطب الروحي أو الإلهي.
والإسلام لا يَمْنَع من استخدام الأدوية المعنوية والإلهية بجوار الأدوية الطبيعية، وقد يُكْتَفَى في بعض الأحيان بإحداهما دون الأخرى.
وقد نقل الحافظ في “الفتح” عن ابن التين قوله: الرُّقَى بالمُعَوِّذات وغيرها من أسماء الله ـ تعالى ـ هو الطب الروحاني، إذا كان على لِسان الأبرار من الخَلْق، حصَل الشفاء بإذْن الله ـ تعالى ـ فلَمَّا عزَّ هذا النَّوْع، فَزِع الناس إلى الطب الجُسماني. (الفتح: 10 / 196).
وأنا أقول: إن الطِّبَّ الجُسماني مشروع، حتى مع وجود ذلك النَّوْع من الطب الروحي، الذي يَتَجَلَّى في الرُّقَى الشرعية والتعاويذ النبوية.
والنبي ـ ﷺ ـ شَرَع لأمته هذا وذاك جميعًا، فَتَداوَى، وشَرَع التداوي للأمة، وصَحَّتْ أحاديثه القَوْلية والفِعْلِية والتقريرية في ذلك، وعُرِف في عدد من كُتُب الحديث “كتاب الطب”.
وقال في ذلك ـ عليه الصلاة والسلام ـ فيما رواه عنه أبو هريرة: “ما أَنْزَلَ الله داءً إلا أنزلَ له شِفاءً”. (رواه البخاري في أول كتاب الطب عن أبي هريرة “الفتح 10 / 134” حديث “5678).
وعن ابن مسعود مرفوعًا: “إنَّ الله لم يُنْزِل داءً إلا وأنزَلَ له شفاءً، فتَدَاوَوْا به”. (قال في الفتح “10 / 135”: أخرجه عن ابن مسعود النسائيُّ وصحَّحه ابن حبان والحاكم). وعن أسامة بن شريك: “تَداوَوْا يا عِبادَ الله؛ فإن الله لم يَضَعْ داءً إلا وضَع له شِفاءً إلا داءَ الهَرَم”.(رواه أحمد والبخاري في الأدب المفرد والأربعة، و صحَّحَه الترمذي، وابن خزيمة، والحاكم عن أسامة بن شريك، الفتح المذكور).
وعن جابر بن عبد الله: “لكلِّ داءٍ دواءٌ، فإذا أُصِيبَ دَواءُ الداءِ بَرَأَ بإذْن الله ـ تعالى”.(رواه مسلم عن جابر، المصدر السابق).
“ما أنزلَ الله داءً إلا أنزلَ له شِفاءً، عَلِمَه مَن عَلِمَه، وجَهِلَه مَنْ جَهِلَه”.(رواه النسائي وابن ماجة، وصحَّحه ابن حبان والحاكم، المصدر نفسه).
ومع هذا شرع الرسول الكريم لأمته الرُّقَى والتَّعَوُّذ بالله ـ تعالى ـ وشَرَعَها من الألَم أو المَرض الواقع، وشرَعها ممَّا يُخاف ويُتَوَقَّع في المُسْتَقْبَل.
ففي حديث ابن عباس أنه ـ ﷺ ـ كان يُعَوِّذ الحَسَن والحُسَين بكلمات الله التامَّة، من كل شيطان وهامَّة.
وروى الشيخان عن عائشة: “أن النبي ـ ﷺ ـ كان إذا أَوَى إلى فِراشه، يَنْفُث بالمُعَوِّذَتَيْن، ويَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ.
وعن خولة بنت حكيم مرفوعًا: “مَنْ نَزَل مَنْزِلاً فقال: أعُوذُ بكَلِمات الله التامَّاتِ مِنْ شَرِّ ما خَلَق، لم يَضُرَّه شيء حتى يَرْتَحِل مِنْ مَنْزِلِه”. (رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، كما في صحيح الجامع الصغير وزيادته”6567).
وعن سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، قال: سَمِعْتُ رجلاً من أسلَمَ: قال: كنتُ جالسًا عند رسول الله ـ ﷺ ـ فجاء رجل من أصحابه، فقال: يا رسول الله، لُدِغْتُ الليلة فلم أنَمْ حتى أصبَحْتُ، قال: “ماذا”؟ قال: عقرب، قال: “أَمَا إنَّك لو قلتَ حينَ أَمْسَيْتَ: أعُوذُ بكَلِمَات الله التامَّاتِ مِنْ شَرِّ ما خلَق، لم تَضُرَّكَ إنْ شَاء الله. (رواه مسلم في الذكر، حديث “2709”، باب : التعوُّذ من سُوء القضاء… إلخ، وأبو داود في الطب، واللفظ له،”3898″، وابن ماجة “3518”، ونَسَبَه المُنذري للنسائي ـ أيضًا).
وهذا يدُلُّنا على أن الرُّقَى والتعاويذ المشروعة تكون للوِقاية، كما تكون للعلاج.