يقول فضيلة الشيخ عطية صقر رئيس لجنة الفتوى الأسبق بالأزهر ـ رحمه الله ـ في كتابه أحسن الكلام في الفتوى والأحكام:

الرضاع المحرّم للمصاهرة هو ما أنبت اللحم وأنشز العظم كما هو شأنه، بمعنى أن يكون بالمرضع لبن فعلاً يتغذّى به الرضيع، فإذا كانت المرضع كبيرة في السِّنّ وليس بثديها لبن بالفعل، فإن الطفلة لم تتغذ بلبن، وإنما سكتت عن البكاء كأنها ترضع، وذلك أشبه بما يوضع في فم الطفل من حلمة صناعيّة يخيل إليه أنه يرضع منها فيسكت أو ينام، وعليه فلا تثبت حرمة بهذا الرضاع الخالي من اللبن.

ولو كانت فتاة لم تتزوّج ولا يُوجد في ثديها لبن، أو أي سائل لو رضعت منه طفلة أو طفل لا يثبت به تحريم، أما لو كان في ثديها لبن بأي شكل من الأشكال فالتحريم يثبت بالرضاع منه. جاء في “كفاية الأخيار في فقه الشافعية ” ج2 ص 121 ” ولا فرق في المرضعة بين كونها مزوّجة أم لا، ولا بين كونها بكراً أم لا، وقيل: لا يحرم لبن البكر، والصحيح أنه يحرم، ونص عليه الشافعي .

وجاء في تحفة المحتاج لشرح المنهاج ” ج8 ص 280 ” في فقه الشافعيّة أن المرضع إذا كانت صغيرة، أو آيسة وتأكدت أن ما ينزل من ثديها ليس له وصف اللبن، ولكن هو ما يسمّى عُرْفًا بالمصل أو المِشِّ الحصير، فإنه لا يترتب عليه تحريم، أما لو كان له وصف اللبن حتى لو كان نقطة واحدة فإن التحريم يثبت بذلك ولا يشترط كون الرَّضَعات مشبعات ” الفتاوى الإسلامية ج9 ص 2365، 3274 ” .

هذا، والصغيرة التي لا يعتبر رضاعها هي التي لم تبلغ تسع سنين، كما قال الشافعية؛ لأنها لا تحتمل البلوغ ولا الولادة، واللبن المحرم فرع ذلك” الشرقاوي على التحرير ج2 ص 340 ” .

ويقول الأستاذ الدكتور مصطفى الزرقاء أستاذ الشريعة بسوريا ـ رحمة الله ـ :
أنَّ مُعظم الفقهاء المذهبيين ـ وخاصة الحنفية والحنابلة ـ يُقرِّرون أنَّ الرَّضاع يَستوجب التحريم كالنسب إذا استوفى شرائطه، ومنها أن يكون سن المُرْتَضِع لا تتجاوز الحولين وعدد الرضعات خمسًا ـ وعلى خلاف في ذلك بين المذاهب ـ ولو كان الارْتضاع من امرأة بَكْر، أو كبيرة آيسة إذا نزل لهما لبن، أي: أنَّهم لم يشترطوا أن يكون اللبن نتيجةَ وِلادة، فقد يَدِرُّ لبنُ المرأة في بعض الحالات بعاطِفة الحنان دون وِلادة، فيترتَّب عليه الصِّلة الموجِبة للتحريم، إلا في قول ضعيف عند الحنابلة.

غير أنه من المعلوم أنه لابد من تحقيق نزول اللبن في هذا الارتضاع، ولا يكفي مجرد الْتِقَام الطِّفل للثَّدْي وامتِصاصه، وهذا معناه بِناء الحكم على تحقُّق ذلك، إذ الأصل في هذه الحال عدم وجود لبن.

وإذا قالت المرأة العجوز (بأنَّ شيئًا ما كان يَخرج من ثَدْيَيْها ويَرضَعه المَوْلود). فالذي نرى أنه إذا لم يتحقَّق كون هذا الشيء لبنًا، وليس نزًّا أو إفرازًا آخر؛ فإن الموضوع يَبقي في حيِّز الشك، ولا يكفي للتحريم.

فقد جاء في “المهذب” للشيرازي الشافعي: (وإن شكَّت المرضعة هل أرضعته أم لا، أو هل أرضعته خمسًا أو أربعًا لم يَثْبت التحريم) أ . هـ.

ولا يَخفى أن الشك في نزول اللبن مثل الشك في أصل الإرضاع أو كَمِّيَّته.