حكم تسمية الربا فائدة

تغيير الأسماء لا يغير شيئاً من حقائق المسميات، فتغيير اسم الخمور إلى مشروبات روحية لا يؤثر في حقيقتها وكونها محرمة، وقد أخبر بذلك الصادق المصدوق فقال: (ليستحلن طائفة من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها) رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وهو حديث صحيح كما قال العلامة الألباني في السلسلة الصحيحة 1/136.

وكذلك تغيير اسم الربا إلى “فائدة” أو “ربح” أو “دخل” أو غير ذلك من الأسماء، لا يغير شيئاً من حقيقة الربا المحرم، وتلاعب الناس بالألفاظ في المعاملات لا يؤثر على حقيقتها شيئاً، لأن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني كما قرر ذلك فقهاؤنا.

رسوم الخدمات الإدارية على القرض

بعض المؤسسات المقرضة تضع رسوم خدمات إدارية ورسوم تسديد قسط، فيبلغ 14% زيادة على القرض أو أقل من ذلك، ثم يقولون: هذا ليس من الربا؟! فما هو الربا إذن! لا شك أن التحايل لاستحلال ما حرم الله من أشد المحرمات.

قال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [والحيل كلها محرمة غير جائزة في شيء من الدين، وهو أن يظهر عقداً مباحاً يريد به محرماً، مخادعة وتوسلاً إلى فعل ما حرم الله واستباحة محظوراته أو إسقاط واجب، أو دفع حق ونحو ذلك، قال أيوب السختياني: إنهم ليخادعون الله كأنما يخادعون صبياً، لو كانوا يأتون الأمر على وجهه كان أسهل عليَّ.] المغني 4/43.

وقد نعى الله سبحانه وتعالى تحايل اليهود لانتهاك المحرمات فقال تعالى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ} سورة الأعراف الآية 163. وقد ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي قال: (لا تـرتـكبوا ما ارتكبت يهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) رواه ابن بطة في إبطال الحيل.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: [هذا إسناد جيد يصحح مثله الترمذي وغيره تارة ويحسنه تارة] إبطال الحيل ص112، مجموع الفتاوى 29/29. وقال الحافظ ابن كثير: هذا إسناد جيد، وقال العلامة الألباني: [وحسن إسناده شيخ الإسلام ابن تيمية وابن كثير] صفة الفتوى والمفتي والمستفتي ص 33.

وثبت في الحديث أن النبي قال: (قاتل الله اليهود لما حرم شحومها جملوه – أي أذابوه – ثم باعوه فأكلوا ثمنه) رواه البخاري ومسلم.

حكم الزيادة المشروطة على القرض

قرر الفقهاء أن أي زيادة مشروطة على مبلغ القرض تعتبر من الربا، فقد جاء في الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن الرسول قال: (الذهب بالذهب والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، مثلاً بمثل، يداً بيد، فمن زاد أو استزاد فقد أربى، الآخذ والمعطي فيه سواء) رواه البخاري ومسلم.

ومما يدل أيضاً على منع الزيادة المشروطة على القرض، ما روي في الحديث (أن النبي نهى عن قرض جر منفعة) رواه الحارث بن أبي أسامة في مسنده، وفي إسناده متروك كما قال الحافظ ابن حجر في التلخيص الحبير 3/34.

ورواه البيهقي في السنن 5/350، بلفظ: (كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا) وقال البيهقي: موقوف. ورواه البيهقي أيضاً في معرفة السنن والآثار 8/169 والحديث ضعيف، ضعفه الحافظ ابن حجر وضعفه العلامة الألباني في إرواء الغليل 5/235.

ولكن معنى الحديث صحيح وقد اتفق الفقهاء على تحريم أي منفعة يستفيدها المقرض من قرضه ولكن ليس على إطلاقها، فالقرض الذي يجر نفعاً ويكون رباً أو وجهاً من وجوه الربا هو القرض الذي يشترط فيه المقرض منفعة لنفسه فهو ممنوع شرعاً. قال الحافظ ابن عبد البر: [وكل زيادة في سلف أو منفعة ينتفع بها المسلِف فهو ربا، ولو كانت قبضة من علف، وذلك حرام إن كان بشرط]. وقال ابن المنذر: [أجمعوا على أن المسلِف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية فأسلف على ذلك، أن أخذ الزيادة ربا] الموسوعة الفقهية 33/130.

وقال الإمام القرطبي: [أجمع أهل العلم على أن استقراض الدنانير والدراهم والحنطة والشعير والتمر والزبيب وكل ما له مثل من سائر الأطعمة جائز. وأجمع المسلمون نقلاً عن نبيهم أن اشتراط الزيادة في السلف رباً ولو كان قبضة من علف كما قال ابن مسعود أو حبة واحدة] تفسير القرطبي 3/241.

وقال الشيخ ابن قدامة المقدسي: [كل قرضٍ شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف] المغني 4/240.

حكم الرسوم الإدارية أو الأجور أو المصاريف الإدارية على القرض

الزيادة على القرض التي تسمى رسوم خدمات القرض أو أجور القرض أو مصاريف إدارية أو أتعاب إدارية للقرض بين فيها أهل العلم ما يلي:

أولاً: إن هذه الرسوم لا بد أن تكون مقابل خدمات فعلية لا وهمية.

ثانياً: أي زيادة على الخدمات الفعلية تعتبر من الربا المحرم شرعاً، فقد جاء في قرارات مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث سنة 1407هـ وفق 1986م ما يلي: **[… بخصوص أجور خدمات القروض في البنك الإسلامي للتنمية: قرر مجلس المجمع اعتماد المبادئ التالية:

  1. جواز أخذ أجور عن خدمات القروض.
  2. أن يكون ذلك في حدود النفقات الفعلية.
  3. كل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعًا.]** مجلة مجمع الفقه الإسلامي العدد 3 الجزء 1/305.

ووجه جواز هذه الزيادة واعتبارها مصاريف إدرايةً أنها تعتبر من باب الأجرة مقابل خدمات حقيقية فعلية كمتابعة القرض والإشراف الهندسي على التنفيذ ونحو ذلك. ومن المتفق عليه بين الفقهاء أنه يشترط في الأجرة تحديدها والاتفاق عليها قبل البدء في العمل، لا بعده.

ثالثاً: إن هذه الرسوم لا يجوز أن تكون مقابل استيفاء القرض بل تكون عند إنشاء عقد القرض بمعنى أنها مصاريف إدارية تغطي التكاليف الإدارية مثل أجور الموظفين والشؤون المكتبية ونحو ذلك، وإذا كانت الجهة المقرضة تتولى الإشراف على التنفيذ فيدخل في ذلك أجور المهندسين أو المراقبين كما هو الحال في بعض المؤسسات التي تقرض للبناء والإسكان.

وأما إذا كانت مقابل استيفاء القرض فهي ربا، كما هو الحال في بعض المؤسسات المقرضة فإنها تحصل رسوماً تحت اسم رسوم تحصيل القرض وهو أن يدفع المقترض مبلغاً من المال مع كل قسط يسدده كرسوم تحصيل للقرض فهذا ربا محرم وإن سموه رسوماً.

رابعاً: يجب أن تقدر هذه الرسوم بمبلغ مقطوع ولا تقدر بنسبة مئوية وخاصة إذا أخذت هذه الرسوم مقابل الأمور المكتبية فقط، لأنها إذا قدرت بنسبة مئوية فستختلف باختلاف مبلغ القرض لأنها لو كانت رسوماً للخدمات فعلاً لما اختلف مقدارها باختلاف حجم القرض وشروطه إذ أن الخدمات المكتبية التي تؤدى لمن يقترض ألفاً، هي ذاتها الخدمات التي تؤدى لمن يقترض عشرة آلاف، ولكنه التلاعب ومحاولة تغيير الأسماء ليخدع الناس، ويظنوا أن ذلك لا شيء، فيه.

ويجب أن يعلم أن هذه الرسوم بهذه الصورة هي ربا وإن غيرت أسماؤها لأن العبرة في العقود بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني كما سبق. وينبغي التنبيه إلى ما ورد في تحريم الربا من نصوص الكتاب والسنة، وبيان أنه من كبائر الذنوب، وأن الله قد لعن كل من يتعامل بالربا بأي شكل من الأشكال، أو يعين عليه، يقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} سورة البقرة الآيتان 278-279. وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي قال: (لعن الله آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه وقال:هم سواء) رواه مسلم.

عقوبة آكل الربا

قال الإمام السرخسي: **[وقد ذكر الله تعالى لآكل الربا خمساً من العقوبات:أحدها:التخبط قال الله تعالى:{لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس} …والثاني:المحق قال الله تعالى:{ يمحق الله الربا } والمراد: الهلاك والاستئصال، وقيل: ذهاب البركة والاستمتاع، حتى لا ينتفع هو به ولا ولده بعده . والثالث:الحرب. قال الله تعالى:{ فأذنوا بحرب من الله ورسوله}… والرابع:الكفر قال الله تعالى:{ وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين } وقال تعالى:{ والله لا يحب كل كفار أثيم} أي:كفار باستحلال الربا أثيم فاجر بأكل الربا والخامس: الخلود في النار .قال الله تعالى:{ ومن عاد فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون} المبسوط 12/109-110.

وخلاصة الأمر أن رسوم خدمات القرض يجب أن تقابل بخدمات فعلية حقيقية، حتى تخرج عن نطاق الربا، وأن تكون معلومة ومقدرة تقديراً حقيقياً. وأن أي زيادة على القرض سوى ذلك تعتبر من الربا، وختاماً أوصي من يتعرض للسؤال عن هذه القضايا وغيرها أن ينظر إلى حرمة الربا القطعية في الكتاب والسنة وإلى خطورة الربا وما يجلبه على الناس من مصائب، وما الأزمة المالية العالمية الحالية عنا ببعيد.