كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أشرف الناس نسبا وأعظمهم مكانة وفضلا، فهو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي……
وقد تزوّج والد النبي عبد الله من آمنة بنت وهب، وولد النبي -عليه الصلاة والسلام- يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل، وقد توفي والده وهو حمل في بطن أمه على الصحيح من أقوال العلماء، فولد الرسول يتيما، قال -تعالى-: (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى).
وقد اجتمعت برسول الله -ﷺ- مجموعة من الصفات الخلقية، يذكر منها:
-كان مربوعا أي ليس بالطويل ولا بالقصير.
-الصحل في الصوت أي الخشونة.
-أزهر اللون أي أبيض فيه حمرة.
-وسيم قسيم أي حسن جميل.
-أزج الحاجب أي رقيقا في طوله.
-أكحل العينين.
رقة حال النبي ﷺ:
النصوص كثيرة في رِقة حال النبي ـ ﷺ ـ واكتفائه من العيش بالضروري منه.
-فمما رواه البخاري وغيره عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قولها: ما شَبِعَ آلُ مُحمد منذ قَدِمَ المدينة من طعام بُرٍّ ثلاث ليال تِباعًا حتى قُبِضَ، وما أكل محمد ـ ﷺ ـ أَكْلَتَيْنِ في يوم إلا إحداهما التمر.
-وقولها: كان يأتي علينا الشهر ما نُوقِدُ فيه ناراً، إنما هو التمر والماء إلا أن نؤتى باللُّحيم.
-وقولها: إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أَهِلَّة في شهرين وما أوقدت في أبيات رسول الله ـ ﷺ ـ نار، قيل لها: ما كان يعيشكم ؟ قالت: الأسودان التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله ـ ﷺ ـ جيران من الأنصار كان لهم منائح ـ حيوانات ذات لبن ـ وكانوا يمنحون رسول الله ـ ﷺ ـ من أبياتهم فيسقيناه، -وقولها: كان فراش رسول الله ـ ﷺ ـ من أَدَمْ ـ جِلْد ـ وَحَشْوه لِيف.
ذلك في الوقت الذي ثبت فيه أنه ادَّخر لأهله قُوتَ سَنة، وقسَّم بين أربعة أشخاص ألف بعير مما أفاء الله عليه، وساق في عُمْرته مائة بَدَنَة، نحرها وأطعمها المساكين، وأمر الأعرابي بقطيع من الغنم، وأن بعض أصحابه كانوا أغنياء بذلوا أنفسهم وأموالهم بين يديه، فعندما أمر بالصدقة جاء أبو بكر بجميع ماله وجاء عمر بنصفه، وجهَّز عثمان جيش العُسرة بألف بعير.
التوفيق بين رقة حال النبي وما اتيح له من نعيم:
كيف نُوَفِّق بين رِقة حاله وبين ما أتيح له من نعيم، وكذلك الحال مع أصحابه؟
والجواب: أن الرسول ـ ﷺ ـ اختار لنفسه العيش الكفاف مع إمكان أن يعيش أفضل؛ وذلك ليضرب المثل لأمته حتى لا يعتنوا بالدنيا وبخاصة ما وقع في قلبه أن الله سيفتح عليه أبواب الغِنى، فهو يعدهم لعدم الفتنة، وقد صح أنه قال: “فوالله ما الفقرُ أخشى عليكم: ولكني أخشى أن تُبْسط الدَّنيا عَلَيْكم كما بسطت على من كان من قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتُهلككم كما أهلكتهم” وهو ـ ﷺ ـ كانت له بعض الأحوال يأخذ فيها حَظَّه من مُتعة الحياة، ولكن ليس بصفة دائمة، للمعنى الذي ذكرته، وكان أصحابه المهاجرون في أول أيامهم في أشد الحاجة إلى ما يقيم أَوَدَهُمْ ، فقد تركوا أموالهم في مكة وقاسمهم إخوانهم الأنصار أموالهم، ثم بعد ذلك أفاء الله عليهم من نِعمه الكثيرة بالفيء والغنيمة.
لقد كان الرسول ـ ﷺ ـ يختار رِقة الحال مع إمكان حصول التوسع والتبسط في الدنيا له.
فالخلاصة: أن الرسول وأصحابه كانوا في حاجة عند الهجرة فاضطروا إلى العيش المُتواضع، ولما فتح الله عليهم تمتعوا بنعمة الله وكان منهم الأغنياء، والرسول ـ ﷺ ـ نفسه كان كذلك لكنه كان يُؤْثِر رِقة العيش عند توفُّر الإمكانات ليضرب المَثل لأصحابه وبخاصة عندما يفتح الله عليهم كنوز الخيرات، ذلك إلى أن القناعة بالقليل مع وجود الكثير فيها تمرين للنفس على مواجهة الاحتمالات، فليست الحياة كلها رخاء وليست الأيام كلها راحة، وفي تشريع الصيام ما يؤكِّد الحاجة إلى هذا التمرين العملي.