لهجت ألسنة أعداء السنة وأعداء الإسلام في عصرنا، وشغفوا بالطعن في أبي هريرة رضي الله عنه ، وتشكيك الناس في صدقه وفي صحة روايته، وأكثروا من البهتان وقول الزور ، وراح أعداء الدين يقولون : أكثر أبو هريرة بغية أن يصلوا إلى تشكيك الناس في الإسلام ، وما هؤلاء المرجفون بأول من حارب السنة في هذا الباب، بل ولهم في ذلك سلف من أهل الأهواء قديماً. ومن العجب أننا نجد ما يقوله هؤلاء المعاصرون ، يكاد يرجع في أصوله ومعناه إلى ما قاله سلفهم من أهل الأهواء والبدع ، والغرض ليس الطعن في أبي هريرة رضي الله عنه ، بل إن هذا مقدمة وتوطئة لهدم صرح الإسلام . وأهل الأهواء والبدع في هذا الزمان لم يأتوا بشيء جديد سوى أنهم نفخوا في الطعون التي ورثوها عن أسلافهم ، وزادوا فيها مازينته لهم شياطينهم من الإنس والجن أن يزيدوا فخابوا وخسروا ، ولما سطعت شمس الحق عالية في كبد السماء توارت خفافيش الظلام داخل الكهوف ، والجرذان داخل الجحور ، ومادت أرض الباطل من تحت أقدامهم ،، وأظهر الله نوره رغم صراخهم وعويلهم ومكرهم وكيدهم ، وكما يقول تعالى في سورة الأنفال { لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيّنَةٍ ، وَ يَحْيَ مَنْ حَيَّ عَن بَيّنَةٍ }.
التعريف بأبي هريرة :
أبوهريرة هو عبد الرحمن بن صخر من ولد ثعلبة بن سليم بن فهم بن غنم بن دوس اليماني ، فهو دوسي ، وقبيلة دوس تنتسب إلى الأزد، والأزد من أعظم قبائل العرب وأشهرها. والراجح عند العلماء أن اسمه في الجاهلية : عبد شمس .
فلما أسلم سماه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ” عبد الرحمن ” ، لأنه لايجوز تسمية إنسان بأنه عبد فلان أو عبد شيء من الأشياء ، وإنما هو عبد الله فقط ، فيسمى باسم عبد الله أو عبد الرحمن وهكذا ، وعبد الرحمن هو الذي يسكن إليه القلب .
وقد اشتهر أبو هريرة بكنيته ، وبها عرف حتى غلبت على اسمه فكاد ينسى .
أسلم رضي الله عنه سنة سبع من الهجرة بين الحديبية وخيبر ، وكان عمره حينذاك نحواً من ثلاثين عامًا ، ثم قدم المدينة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، حين رجوعه ﷺ من خيبر، وسكن ( الصّفة) ولازم الرسول ملازمة تامة ، يدور معه حيثما دار ، ويأكل عنده في غالب الأحيان إلى أن توفي عليه الصلاة والسلام .
وقد كان من أثر ملازمة أبي هريرة رضي الله عنه للرسول صلى الله عليه وآله وسلم ملازمة تامة ، أن اطلع على ما لم يطلع عليه غيره من أقوال الرسول وأعماله ، ولقد كان يجد معاناة من قلة الحفظ حين أسلم ، فشكا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال له : افتح كساءك فبسطه، ثم قال له : ضمه إلى صدرك فضمه ، فما نسي حديثاً بعده قط .هذه القصة – قصة بسط الثوب – أخرجها أئمة الحديث كالبخاري ومسلم وأحمد ، والنسائي ، وأبي يعلى، وأبي نعيم .
ولقد أكرم الله تعالى الصحابة رضي الله عنهم بآيات كثيرة تثبت لهم الفضل والعدالة ، وأبو هريرة واحد من هؤلاء الصحابة الذين ذكرهم الله بالرضوان ، ووعدهم بمصاحبة النبي العدنان في الجنان .
قال الشافعي عنه : أبو هريرة رضي الله عنه أحفظ من روى الحديث في دهره .
وقال البخاري : روى عنه نحو ثمانمائة من أهل العلم ، وكان أحفظ من روى الحديث في عصره .
وقال الذهبي : الإمام الفقيه المجتهد الحافظ ، صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أبو هريرة رضي الله عنه الدوسي اليماني ، سيد الحفاظ الأثبات .
وقال عنه في موضع آخر : أبو هريرة رضي الله عنه إليه المنتهى في حفظ ما سمعه من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وأدائه بحروفه .
وقال أيضاً: كان أبو هريرة رضي الله عنه وثيق الحفظ ، ما علمنا أنه أخطأ في حديث .
وقال أيضاً : هو رأس في القرآن ، وفي السنة ، وفي الفقه .
وقال : أين مثل أبي هريرة رضي الله عنه في حفظه وسعة علمه .
وقد روى رضي الله عنه عن كثير من الصحابة منهم : أبو بكر ، وعمر ، والفضل بن العباس ، وأبي ابن كعب ، وأسامة بن زيد ، وعائشة رضي الله عنهم .
وكذلك : منهم ابن عباس ، وابن عمر ، وأنس بن مالك ، وواثلة بن الأسقع ، وجابر بن عبدالله الأنصاري وأبو أيوب الأنصاري رضي الله عنهم .
وقد أخرج أحاديثه جمعٌ من الحفاظ من أصحاب المسانيد ، والصحاح ، والسنن ، والمعاجم ، والمصنفات ، وما من كتاب معتمد في الحديث ، إلا فيه أحاديث عن الصحابي الجليل أبى هريرة رضي الله عنه .
وتتناول أحاديثه معظم أبواب الفقه: في العقائد ، والعبادات ، والمعاملات ، والجهاد ، والسير، والمناقب، والتفسير، والطلاق، والنكاح، والأدب، والدعوات ، والرقاق ، والذكر والتسبيح .. وغير ذلك .
روى له الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ( 3848 ) حديثاً وفيها مكرّر كثير باللفظ والمعنى ، ويصفو له بعد حذف المكرّر خير كثير.
وروى له الإمام بقى بن مخلد ( 201 – 276 هـ ) في مسنده ( 5374 ) خمسة آلاف حديث ، وثلاثمائة وأربعة وسبعين حديثاً.
وروى له أصحاب الكتب الستة والإمام مالك في موطئه( 2218 ) ألفي حديث، ومائتين وثمانية عشر حديثاً مما اتفقوا عليه وانفردوا به ، له في الصحيحين منها (609) ستمائة وتسعة أحاديث ، اتفق الشيخان : الإمام البخاري ، والإمام مسلم عن (326) ثلاثمائة وستة وعشرين حديثاً منها، وانفرد الإمام البخاري بــ( 93) بثلاثة وتسعين حديثاً، ومسلم بــ(190) بتسعين ومائة حديث.
والسبب في إكثار أبي هريرة من روايته للحديث الشريف كثرة ملازمته لرسول الله ﷺ وقد بين أبو هريرة رضي الله عنه أسباب كثرة حديثه فيقول : إنكم لتقولون أكثر أبوهريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، والله الموعد ، ويقولون : ما للمهاجرين لا يحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الأحاديث ، وإن أصحابي من المهاجرين كانت تشغلهم أرضوهم والقيام عليها ، وإني كنت امرءاً مسكيناً :” ألزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ملء بطني ” وكنت أكثر مجالسة رسول الله، أحضر إذا غابوا ، وأحفظ إذا نسوا ، وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حدثنا يوماً فقال: ” من يبسط ثوبه حتى أفرغ فيه من حديثي ، ثم يقبضه إليه فلا ينسى شيئاً سمعه مني أبداً ” فبسطت ثوبي – أو قال : نمرتي – فحدثني ثم قبضته إلىّ ، فوالله ما كنت نسيت شيئاً سمعته منه.
وكان يقول: وأيم الله.. لولا آية في كتاب الله ما حدثتكم بشيء أبداً، ثم يتلوا: { إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَــتِ وَالْهُدَى مِن بَعْدِ مَا بَيَّــنَّهُ لِلنَّاسِ فىِ الْكِتَـبِ أُوْلئِــكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّــعِنُونَ }. وكان يدعو الناس إلى نشر العلم، وعدم الكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، من ذلك ما يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، أنه قال: ” من سئل عن علم فكتمه ألجم بلجام من نار يوم القيامة ” وعنه أيضاً : ” ومن كذب علىّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار” متفق عليه.
وقد شهد له إخوانه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكثرة سماعه ، وأخذه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذه الشهادات تدفع كل ريب أو ظن حول كثرة حديثه ، حتى إن بعض الصحابة رضي الله عنهم رووا عنه لأنه سمع من النبي الكريم ولم يسمعوا ، ومن هذا أن رجلًا جاء إلى طلحة بن عبيد الله، فقال: يا أبا محمد، أرأيت هذا اليماني- يعني أبا هريرة – أهو أعلم بحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منكم ؟ نسمع منه أشياء لا نسمعها منكم ، أم هو يقول عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يقل ؟ قال : أما أن يكون سمع ما لم نسمع ، فلا أشك ، سأحدثك عن ذلك : إنا كنا أهل بيوتات وغنم وعمل ، كنا نأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طرفى النهار ، وكان مسكيناً ضيفاً على باب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده مع يده ، فلا نشك أنه سمع ما لم نسمع ، ولا تجد أحداً فيه خير يقول عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لم يقل وقال في رواية : ” قد سمعنا كما سمع ، ولكنه حفظ ونسينا “.