اختلف الفقهاء في تأثير الردة على الأعمال الصالحة إذا رجع المرتد إلى الإسلام، فذهب جمهور الفقهاء عدا الشافعية إلى أن الردة تحبط جميع الأعمال الصالحة، وعلى هذا، فالمرتد إذا رجع إلى الإسلام يجب عليه الحج مرة أخرى، وذهب الشافعية إلى أن الردة لا تحبط العمل الصالح إلا إذا مات المرتد على كفره، أما لو رجع إلى الإسلام، فلا تأثير للردة على العمل الصالح، ومن ثم، فتجزئه حجته الأولى إذا رجع إلى الإسلام، وخروجا من الخلاف فالأولى هو إعادة الحج إن تيسر له ذلك، وإلا فلا حرج إن شاء الله.

يقول فضيلة الدكتور حسام عفانة -أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين-:
الردة هي خروج المسلم عن الإسلام وكفره به والعياذ بالله وقد اختلف أهل العلم في إحباط العمل بالردة واختلفوا في تفسير الآيات الواردة في ذلك.
يقول الله تعالى :(ومن يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) سورة البقرة الآية 217.

ويقول الله تعالى: ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) سورة المائدة الآية 5 .

فمن العلماء من قال إن الردة التي تحبط الأعمال وتبطلها هي الردة المستمرة حتى الوفاة بأن يموت الشخص على الكفر لما في الآية الكريمة ( فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ ) فإذا لم يمت على الكفر بأن عاد إلى الإسلام فإن ثواب عمله يحبط ولا يطالب بإعادة العمل .ومنهم من رأى أن الأعمال تبطل بمجرد الارتداد لقول الله تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ) .
والمراد بحبوط الأعمال: [أي صارت أعمالهم الحسنة التي عملوها في حالة الإسلام فاسدة بمنزلة ما لم تكن.
قال الإمام النووي: [ومن حج ثم ارتد ثم أسلم لم يلزمه الحج بل يجزئه حجته السابقة عندنا، وقال أبو حنيفة وآخرون يلزمه الحج، ومبنى الخلاف على أن الردة متى تحبط العمل؟ فعندهم تحبطه في الحال سواء أسلم بعدها أم لا فيصير كمن لم يحج . وعندنا لا تحبطه إلا إذا اتصلت بالموت لقوله تعالى : ( وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ )] المجموع 7/9 .

وقال الإمام النووي أيضاً: [إذا صلى المسلم ثم ارتد ثم أسلم ووقت تلك الصلاة باق لم يجب إعادتها وقال أبو حنيفة ومالك وأحمد في رواية عنه يجب والمسألة مبنية على أصل سبق وهو أن عندنا لا تبطل الأعمال بالردة إلا أن تتصل بالموت وعندهم يبطل بنفس الارتداد احتجوا بقول الله تعالى: (وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) واحتج أصحابنا بقول الله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ) فعلق الحبوط بشرطين الردة، والموت عليها والمعلق بشرطين لا يثبت بأحدهما والآية التي احتجوا بها مطلقة وهذه مقيدة فيحمل المطلق على المقيد.

قال الشافعي والأصحاب يلزم المرتد إذا أسلم أن يقضي كل ما فاته في الردة، أو قبلها، وهو مخاطب في حال الردة بجميع ما يخاطب به المسلم، وإذا أسلم لا يلزمه إعادة ما كان فعله قبل الردة من حج وصلاة وغيرهما] المجموع 3/5.

ويناء على ما سبق يتضح لنا أن حمل المطلق على المقيد وجيه جداً .
قال الشوكاني: [والواجب حمل ما أطلقته الآيات في غير هذا الموضع على ما في هذه الآية من التقييد] تفسير فتح القدير 1/218 .
وقال الشيخ الشنقيطي: [ومقتضى الأصول حمل هذا المطلق على هذا المقيد فيقيد إحباط العمل بالموت على الكفر وهو قول الشافعي ومن وافقه خلافاً لمالك القائل بإحباط الردة العمل مطلقاً] أضواء البيان 2/6.

ومع وجاهة هذا القول وقوته وهو أن الحج السابق على الردة معتبر ولا يلزم إعادته فنقول:
خروجاً من خلاف أهل العلم نرى أن يحج هذا الشخص مرة أخرى وقد صح في الحديث قول (النبي صلى الله عليه وسلم): (دع ما يريبك إلا ما لا يريبك) رواه أحمد والنسائي والترمذي وقال : حسن صحيح . وصححه ابن حبان والحاكم ووافقه الذهبي .