ورد في الأحاديث ما يشعر باستحباب الاجتماع على الذكر، ففي الحديث الذي يرويه مُسلم: “لا يقعد قوم يذكرون الله -عز وجل- إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده”.
والجماعة في الطاعات مستحبة في ذاتها، ولا سيما إذا ترتب عليها كثير من الفوائد مثل: تآلف القلوب، وتقوية الروابط، وقضاء الأوقات فيما يفيد، وتعليم الأميّ الذي لم يحسن التعليم وإظهار شعيرة من شعائر الله تعالى.
نعم.. إن الجماعة في الذكر تكره إذا ترتب عليها محظور شرعي كالتشويش على مصلّ، أو لغو وضحك، أو تحريف للصيغ، أو نحو ذلك من المحظورات الشرعية، فحينئذ تمنع الجماعة في الذكر لهذه المفاسد لا للجماعة في ذاتها.
وحبذا لو اجتمع الأصدقاء على قراءة الذكر في جماعة بالصيغ المأثورة الصحيحة من السنة النبوية صباحًا ومساءً في ناديهم أو في مسجد من المساجد مع اجتناب المكروهات والمحذورات. ومن فاتته الجماعة فيها فليقرأها منفردًا ولا يفرط في ذلك.
وقد ورد أن ابن مسعود أتى حلقة فيها قوم اجتمعوا على الذكر فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن، حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن ألا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد، ما أسرع هلكتكم!!، هؤلاء صحابة نبيكم متوافرون، وهذه ثيابه لم تَبْلَ، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد، أو مفتتحو باب ضلالة!!. قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير، فقال: وكم مريد للخير لن يصيبه، إن رسول الله حدثنا: “إن قومًا يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم”، وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم. ثم تولى عنهم، فقال عمرو بن سلمة: “رأينا عامة أولئك الخلق يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج”. وهذه القصة مروية في سنن الدارمي بسند صحيح، وفي الزهد للإمام أحمد، وفي الحلية لأبي نعيم.
لكن يمكن أن تحمل هذه القصة على معنى آخر، فقد رأينا أن أكثر هؤلاء الذين كانوا مجتمعين قد قتلوا على الخارجية، فلربما توسم فيهم ابن مسعود معنى اجتمعوا من أجله، أو توسم فيهم أنهم على أبواب غلوّ فأنبأهم، أو أنهم فعلوا هذا من عند أنفسهم دون دليل.
وعلى كل حال فلو كان ذلك مذهب ابن مسعود فهو مذهب مرجوح، وعصرنا أولى العصور باعتماد المذهب الراجح في هذه المسألة، لما في الاجتماع على الذكر من فوائد قلبية وروحية تغسل بها الأوضار، وتمحى بها الذنوب، وتستجاش بها عواطف الإيمان.