روى مسلم وأحمد وأبو داود والترمذي عن عبد اللّه بن عمر أنه سمع النبي صلى اللّه عليه وسلم يقول (‏ إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلى اللّه بها عليه عشرا .‏
ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد اللّه وأرجو أن أكون أنا هو .‏
فمن سأل اللّه لي الوسيلة حلت عليه شفاعتى )‏ .‏
وفى رواية أخرى (‏ إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول ثم صلوا علي فإنه من صلى علي صلاة صلى اللّه عليه بها عشرا )‏ .‏
وقد اختلف الفقهاء في الصلاة على النبى صلى اللّه عليه وسلم بعد الأذان .‏
هل يشمل المؤذن فيكون مأمورا بالصلاة على النبى بعد الأذان بالأول قال الفقهاء الشافعية والحنابلة .‏
وذهبوا إلى أنه يسن للمؤذن والسامع أن يصلي على النبى صلى اللّه عليه وسلم بعد الأذان وهو بعمومه يشمل كل أذان .‏

وفي حاشية رد المحتار لابن عابدين من كتب الحنفية والدردير في فقه المالكية .‏
أن التسليم بعد الأذان حدث في سنة ‏781 هجرية في العشاء ثم في الجمعة ثم في باقي الأوقات إلا المغرب .‏
وأنه بدعة حسنة في فقه المذهبين .‏ ونقل السيوطي في حسن المحاضرة عن السخاوي أنه حدث فى سنة ‏791 فى عهد السلطان الناصر صلاح الدين بأمر منه .‏
والذين لا يرون الصلاة والتسليم على النبي صلى اللّه عليه وسلم من المؤذن بعد الأذان يلتزمون بما وردت به السنة من ألفاظ الأذان دون زيادة عليها حتى لا تفسر بمضى الأيام بأنها من الأذان .‏
وإلى هذا ذهب الظاهرية والزيلعى والذى نميل إلى الآخذ به هو ما قال به فقهاء المذاهب الأربعة من جواز الصلاة والتسليم على الرسول صلى اللّه عليه وسلم بعد الأذان بل أن فقهاء الشافعية والحنابلة قد ذهبوا إلى أنه من السنة، وذلك حرصا على أن يشهد الجماعة الأولى أكبر عدد من المسلمين الذين قد تشدهم أعمالهم فلا ينتهون لوقت الصلاة إلا بسماع الأذان ولكن على المؤذن أن يفصل بين ألفاظ الأذان وبين الصلاة والتسليم على الرسول صلى اللّه عليه وسلم بسكتة ليتضح انتهاء الأذان فعلا .‏

إذ لا شك أن الصحيح هو ما أرشد إليه الرسول صلى اللّه عليه وسلم فى قوله (‏ ما رآه المسلمون حسنا فهو عند اللّه حسن )‏ وقوله (‏ من سن سنة حسنة فله ثوابها وثواب من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة )‏ والنطق بالصلاة على رسول اللّه صلى اللّه بعد الأذان مع الفصل بينهما إذا عد فى البدع فى هذا الموضوع كان من أحسنها -‏ أما تلاوة القرآن الكريم فى يوم الجمعة فقد ورد فى صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قول الرسول صلى اللّه عليه وسلم (‏ ما اجتمع قوم فى بيت من بيوت اللّه يتلون كتاب اللّه ويتدارسونه بينهم إلا أنزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم اللّه فيمن عنده )‏ وذلك يجري فى المساجد من قراءة القرآن يوم الجمعة فى الوقت الذى يفد فيه المسلمون إلى المساجد من هذا القبيل .‏
واعتياد الناس قراءة سورة الكهف هو الاقتصار على آيات محددة يصلى بها لمن يحفظ غيرها .‏
هذا وننصح المسلم وغيره من المسلمين بالبعد عن المشادة فى الدين وأحكامه والتثبت من صحة القول قبل إطلاقه بالتحريم أو التحليل .‏
أما عن الذكر الجماعي فيقول الشيخ سعيد حوى ورد في الأحاديث ما يشعر باستحباب الاجتماع على الذكر ففي الحديث الذي يرويه مُسلم:
“لا يقعد قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، وذكرهم الله فيمن عنده”.
والجماعة في الطاعات مستحبة في ذاتها ولا سيما إذا ترتب عليها كثير من الفوائد مثل: تألف القلوب، وتقوية الروابط، وقضاء الأوقات فيما يفيد، وتعليم الأمي الذي لم يحسن التعليم وإظهار شعيرة من شعائر الله تعالى.
نعم إن الجماعة في الذكر تكره إذا ترتب عليها محظور شرعي كالتشويش على مصل، أو لغو وضحك، أو تحريف للصيغ، أو بناء على قراءة غيره أو نحو ذلك من المحظورات الشرعية، فحينئذ تمنع الجماعة في الذكر لهذه المفاسد لا للجماعة في ذاتها، وخصوصًا إذا كان الذكر في جماعة بالصيغ المأثورة الصحيحة من السنة النبوية فحبذا لو اجتمع الإخوان على قراءتها صباحًا ومساء في ناديهم أو في مسجد من المساجد مع اجتناب هذه المكروهات. ومن فاتته الجماعة فيها فليقرأها منفردًا ولا يفرط في ذلك.
على أن حادثة ابن مسعود يمكن أن تحمل على معنى آخر، فقد رأينا أن أكثر هؤلاء الذين كانوا مجتمعين قد قتلوا على الخارجية فلربما توسم فيهم ابن مسعود معنى اجتمعوا من أجله، أو توسم فيهم أنهم على أبواب غلو فأنبأهم، أو أنهم فعلوا هذا من عند أنفسهم دون دليل، وعلى كل حال فقد يكون مذهب ابن مسعود مذهب من يفهم هذا النوع من النصوص التي نقلناها أنها في العلم وهو مذهب مرجوح كما رأينا وعصرنا أولى العصور باعتماد المذهب الراجح لما في الاجتماع على الذكر من فوائد قلبية وروحية تغسل بها الأوضار وتمحى بها الذنوب وتستجاش بها عواطف الإيمان.