الدليل العقلي على القيامة من الدنيا يتمثل في العدل، فلابد من يوم يقتص فيه من الظالم، ولا يستوي أبدا مستقيم مع منحرف، وإن أفلت مجرم بجريمته من العقاب في الدنيا فلن يفلت في الآخرة.

والأدلة النقلية أكثر من أن تحصى فقد صور القرآن الكريم و السنة في كثير من الآيات والأحاديث مشاهد للقيامة، وهذه أدلة صادقة معجزة.

يقول فضيلة الشيخ الدكتور أحمد الشرباصي-رحمه الله تعالى- الأستاذ بجامعة الأزهر رحمه الله في كتابه يسألونك..:

لقد خلق الله تعالى الناس في هذه الدنيا لتكون مزرعة للآخرة، ولذلك وُصفت الدنيا بأنها دار إعداد وعمل، والآخرة دار حساب وجزاء؛ والعقل لا يقبل أن يتساوى الصالح والطالح، والمستقيم والمنحرف، والطائع والمجرم فيعيشون حيوات مختلفة، يظلم هذا ويبغي ذاك ويحرم ذلك، ثم يتساوى الجميع فلا يكون هناك قصاص إلهي من الظالم للمظلوم، و من الباغي للضعيف.

وكثير من الجرائم لا تضبطها عيونُ الناس، ولا تنالها أيدي القانون، فإذا فات الناس أن يُحاسبوا على هذه الجرائم فالعقل ينفي أن يفلت المُجرم من العقاب، وما دام قد أفلت من أيدي الناس فليس من العدْل في شيء أن يُفلت من يد العزيز القاهر أحكم الحاكمين وأعدل العادلين، بل لا بد من يوم تُصحَّح فيه الأوضاع وتُغَرْبَلُ الأعمال ( فَمَنْ يَعملْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خيرًا يَرَهُ ومَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ). (الزلزلة: 7ـ 8) ولهذا قال القرآن في سورة المؤمنون:
(أفَحَسِبْتُمْ أنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وأنَّكُمْ إليْنَا لا تُرْجَعُونَ). (المؤمنون: 115)0

ولو رجعنا إلى القرآن الكريم لوجدناه يحدثنا عن يوم القيامة بأساليبَ مختلفةٍ ليستقر في صدورنا الإيمان بهذا اليوم الآخر الذي يقال فيه لمَنِ الملك اليوم؟ فيكون الجواب لله الواحد القهار. و يقول الله ـ تعالى ـ في سورة التغابن: (زَعَمَ الذينَ كَفروا أنْ لنْ يُبعثوا قُلْ بلَى وربِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وذلكَ علَى اللهِ يَسِيرٌ). (الآية: 7). وهذا هو القرآن في سورة “طه” يُحدثنا عن بدء الخليقة من الأرض للتكليف، وعودتها إلى الأرض للاستعداد للبعث ثم إخراجها لتلقى الحساب يوم القيامة فيقول: (ومِنْهَا خلقْناكُمْ وفِيها نُعيدُكمْ ومِنها نُخْرجُكمْ تَارةً أُخْرَى) (طه: 55).

وها هو ذا في سورة “يس” يُقيم أمام أبصارنا وبصائرنا الدلائل والشواهد على قدرته على البعْث وإحياء الناس ليوم القيامة فيقول: (أوَ لمْ يَرَ الإنسانُ أنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فإذَا هُوْ خَصِيمٌ مُبِينٌ. وَضَربَ لنَا مَثَلاً ونَسِيَ خَلْقَهُ قالَ مَن يُحْيِي العِظَامَ وهِيَ رَمِيمٌ. قلْ يُحيِيها الذي أَنْشَأَهَا أوَّلَ مَرَّةٍ وهوَ بِكُلِّ خلْقٍ عليمٌ . الذي جعَلَ لكمْ مِنَ الشجَرِ الأخْضَرِ نارًا فإذَا أنْتُمْ منْهُ تُوقِدُونَ . أوَ ليسَ الذي خَلَقَ السمواتِ والأرضَ بِقَادِرٍ على أنْ يَخْلُقَ مثْلَهمْ بلَى وهو الخلاَّقُ العَلِيمُ. إنَّمَا أمْرُهُ إذا أرادَ شيئًا أنْ يقولَ لهُ كُنْ فَيَكُونُ. فَسُبحانَ الذي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شيءٍ وإليهِ تُرْجَعُونَ). (الآيات: 77 ـ 83).