روى البخاري ومسلم وغيرها أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال: “ينزل ربنا كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: مَن يدعوني فأستجيبَ له، ومَن يسألني فأعطيَه مَن يستغفرني فأغفرَ له”.
هذا الحديث من المتشابه الذي يوجد في القرآن الكريم وفي السنة النبوية، والمسلمون حِيالَه فريقان:

فريق يُطلق عليهم اسم السلف، وفريق يطلق عليهم اسم الخَلَف، فالأولون يؤمنون بأن الله سبحانه ينزل من عرشه إلى سماء الدنيا نزولاً يَليق بجلاله وكماله، بعيدًا عن المشابهة للحوادث كما قال سبحانه: ( ليْس كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) ( سورة الشورى:11)

والآخرون يصرفونها عن ظاهرها ويريدون بها لازمها، بمعنى القرب والرحمة وسرعة الاستجابة كما يجيئ في كلام العرب تعبيرًا عن الرجل الكريم بأنه لا تُطْفأ له نار.
وعلى شاكلة ذلك كان تفسيرهم لليد والعين في قوله تعالى: ( يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ) (سورة الفتح:10)، وقوله: (وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي) (سورة طه: 39)
ومن موقف السلف والخلف من الإيمان بالظاهر ومن التأويل كان الوقف في قوله تعالى ( فَأَمَّا الذِينَ فِي قلوبهم زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وابْتِغَاءَ تأويلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) (آل عمران:7) فالأولون يقفون عند قوله تعالى: (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ) ويكون قوله: ” والرَّاسِخُونَ…” كلاماً مستأنَفًا، أو مبتدأ خبره “يقولون آمنا به”.

والآخرون لا يقفون عند قوله: “الله” وإنما يصلون به على العطف ” والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ” فالذى يعلم التأويل عند الأولين هو الله فقط، والذي يعلمه عند الآخرين اللَّهُ والرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ. ”

للعلماء فى هذا عدة تأويلات ، منها أن الدعاء يحفف البلاء ، ومنها أن بعض القضاء معلق ،كأن يقضى الله على فلان بشىء فى حال عدم الدعاء وإن دعا فعليه قضاء آخر ، ونحو ذلك. وأما زيادة العمر والرزق فيكون بالبركة ، أو بأنه إذا وصل رحمه فعمره ورزقه أكثر مما لو لم يصل، والله تعالى يعلم ما سيكون من الأحوال.
يوضح ذلك الشيخ عطية صقر، – رحمه الله تعالى -:
روى الحاكم وصححه وابن حبان في صحيحه أن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) قال: “لا يرد القدر إلا الدعاء، ولا يزيد في العمر إلا البر. رواه الترمذي وقال: حسن غريب. أي: رواه راو واحد فقط.
وجاء في حديث البزار، والطبراني، والحاكم: “لا يغني حذر من قدر، والدعاء ينفع مما نزل، ومما لم ينزل، وإن البلاء ينزل فيلقاه الدعاء فيعتلجان إلى يوم القيامة. ومعنى يعتلجان: يتصارعان ويتدافعان.
قال العلماء في هذا:

إن القضاء نوع من علم الله (تعالى) بما سيكون عليه حال العبد قبل خلقه، ومنه قضاء مبرم لابد من وقوعه لا يدفعه، ولا يرفعه شيء، ومنه قضاء معلق في وقوعه، أو رفعه على شيء، فالموت ـ مثلا ـ قضاء مبرم لابد منه ولا يدفعه شيء، وطول العمر قضاء معلق على فعل، مثل: صلة الرحم، وعمل خير آخر، كما في حديث: “من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره؛ فليصل رحمه”. رواه أحمد، وغيره.
ومن هذا النوع المعلق أن يعلم الله ( سبحانه وتعالى) أن شيئا سيحصل للعبد عند دعائه، وأن مرضا سيصيبه لا يبرأ منه إلا بالدعاء وبالعلاج، وكل حركات العبد و الكون معلومة مكشوفة لله (تعالى) ولكنها مغيبة عنا، ولذلك أمرنا الله بطاعته، ومن الطاعة: الدعاء الذي يؤكد الإنسان فيه إيمانه بضعفه، وإيمانه بحاجته إلى الله.
وقد عبر عن هذا في الحديث بأنه العبادة أو مخ العبادة، فإذا حصل الدعاء، وتم ما أرد الله كانت إرادته مرتبطة بدعاء العبد، كما علمها الله من قبل، وما دام قضاء الله مغيبا، فعلينا امتثال أمر الله في الدعاء وغيره.
ولو علمنا ما قدر لنا ما كان هناك معنى للتكليف، ولرقدت حركة الحياة.