يقول فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا-رحمه الله تعالى-:
جاء في حديث أبي موسى أن النبي عليه السلام يقول في ساعة الجمعة : “هي ما بين أن يجلس الإمام – يعني على المنبر – إلى أن يقضي الصلاة” ، رواه مسلم وأبو داود ، وقد أعلوه مع ذلك بالانقطاع والاضطراب ؛ أما الأول : فلأن مخرمة بن بكير راويه عن أبيه قد نقل عنه أنه قال : إنه لم يسمع من أبيه شيئًا ، وأما الثاني : فهو أنهم قالوا : إن أكثر الرواة قد جعلوا هذا الحديث من قول أبي بردة مقطوعًا وأنه لم يرفعه غير مخرمة عن أبيه بردة … إلخ ما قالوه وقد استدركه الدارقطني على مسلم .
وأما حديث عبد الله بن سلام فهو ناطق بأن الساعة التي يجاب فيها الدعاء هي آخر ساعة من النهار ، وقد رواه ابن ماجه مرفوعًا ورواه مالك وأصحاب السنن وغيرهم من طريق محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن عبد الله بن سلام من قوله ورجاله رجال الصحيح وفي معناه أحاديث أخرى تؤيده ويعارضها حديث أبي سعيد عند أحمد وابن خزيمة والحاكم وهو أنه سأل النبي عنها فقال : ( قد كنت علمتها ثم أنسيتها كما أنسيت ليلة القدر ) ورجاله رجال الصحيح أيضًا ، وأجيب عنه بأنه لا يصلح للمعارضة لجواز أن يكون ذكر بعد ما نسي .
وللعلماء في تعيين ساعة الإجابة أربعون قولاً ونيف ، والأكثرون على ترجيح أحد الحديثين المشار إليهما ، والأرجح أنها آخر ساعة من نهار الجمعة ، والمراد بالساعة : الزمانية ، وتصدق بدقيقة أو دقائق .
أما رفع اليدين والأصوات بالدعاء عند جلوس الخطيب بين الخطبتين فلا نعرف له سنة تؤيده ، ولا بأس به ، لولا التشويش ، وأنهم جعلوه سنة متبعة بغير دليل ، والمأثور طلب السكوت إذا صعد الإمام المِنبر ، وإنما السكوت للسماع ؛ لذلك نقول : لا بأس بالدعاء في غير وقت السماع ، ولكن يدعو خُفية ، لا يؤذي غيره بدعائه ولا يرفع كل الناس أيديهم ، فيكون ذلك شعارًا من شعائر الجمعة بغير هداية من السنة فيه ؛ بل إنهم يخالفون صريح السنة ؛ إذ يقوم الإمام ويشرع في الخطبة الثانية وهم مستمرون على دعائهم ، فأَولى لهم سماع وتدبر وقت الخطبة وفكر وتأثر وقت الاستراحة وأهون فعلهم هذا أن يكون بدعة مكروهة .