اختلف في صحة هذا الحديث فصححه البعض وأعله آخرون كما اختلفوا في تأويله هل المقصود حرمة كل أمر من هذه الأمور على حدة أم أن التحريم منصب على الجمع بين هذه الأشياء الثلاثة ؟؟ ومعنى الحر هو الزنى أعاذنا الله وإياكم منه.
وفضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي يفصل في صحة هذا الحديث ويفصل في تأويله ويقول:
روى البخاري – معلقا – عن أبى مالك أو أبى عامر الأشعري – شك من الراوي – عن النبي عليه الصلاة والسلام قال : « ليكونن قوم من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف » . والمعازف : الملاهي, أو آلات العزف .
والحديث وإن كان في صحيح البخاري , إلا أنه من « المعلقات » لا من « السندات المتصلة » ولذلك رده ابن حزم لانقطاع سنده , ومع التعليق فقد قالوا : إن سنده ومتنه لم يسلما من الاضطراب .
وقد اجتهد الحافظ ابن حجر لوصل الحديث , ووصله بالفعل من تسع طرق , ولكنها جميعا تدور على راو تكلم فيه عدد من الأئمة النقاد , ألا وهو : هشام ابن عمار . وهو – وان كان خطيب دمشق ومقرئها ومحدثها وعالمها , ووثقه ابن معين والعجلى – فقد قال عنه أبو داود : حدث بأربعمائة حديث لا أصل لها .
وقال أبو حاتم : صدوق وقد تغير , فكان كل ما دفع إليه قرأه , وكل ما لقنه تلقن . وكذلك قال ابن سيار .
وقال الإمام أحمد : طياش خفيف .
وقال النسائي : لا بأس به ( وهذا ليس بتوثيق مطلق ) .
ورغم دفاع الحافظ الذهبي عنه قال : صدوق مكثر له ما ينكر. وأنكروا عليه أنه لم يكن يحدث إلا بأجر !
ومثل هذا لا يقبل حديثه في مواطن النزاع , وخصوصا في أمر عمت به البلوى .
ورغم ما في ثبوته من الكلام , ففي دلالته كلام آخر ! فكلمة « المعازف » لم يتفق على معناها بالتحديد : ما هو ؟ فقد قيل : الملاهي , وهذه مجملة , وقيل : آلات العزف .
ولو سلمنا بأن معناها : آلات الطرب المعروفة بآلات الموسيقى . فلفظ الحديث المعلق في البخاري غير صريح في إفادة حرمة « العازف » لأن عبارة « يستحلون » كما ذكر ابن العربي لها معنيان : أحدهما : يعتقدون أن ذلك حلال , والثاني : أن تكون مجازاً عن الاسترسال في استعمال تلك الأمور ! إذ لو كان المقصود بالاستحلال : المعنى الحقيقي , لكان كفراً , فإن استحلال الحرام المقطوع به – مثل الخمر والزنى المعبر عنه ب « الحر » – كفر بالإجماع .
ولو سلمنا بدلالتها على الحرمة , فهل يستفاد منها تحريم المجموع المذكور من الحر والحرير والخمر والمعازف , أو كل فرد منها على حدة ؟ والأول هو الراجح . فإن الحديث في الواقع ينعى على أخلاق طائفة من الناس : انغمسوا في الترف والليالي الحمراء , وشرب الخمور . فهم بين خمر ونسا ء , ولهو وغناء , وخز وحرير . ولذا روى ابن ماجه هذا الحديث عن أبى مالك الأشعري بلفظ : « ليشربن أناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها , يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات , يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير » , وكذلك رواه ابن حبان في صحيحه , والبخاري في تاريخه .
وكل من روى الحديث من طريق غير طريق هشام بن عمار , جعل الوعيد على شرب الخمر , وما المعازف إلا مكملة وتابعة .