الأضحية سنة في الأمة من عهد إبراهيم عليه السلام إلى عهد محمد نبينا عليه الصلاة والسلام إلى يومنا هذا،وجاء تشريع الأُضحية في السنة الثانية للهجرة، قال سبحانه وتعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)،وأصلها أن إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام امتحنه الله فأمره بذبح ابنه بكره إسماعيل عليه الصلاة والسلام ليخلص قلبه لمحبته سبحانه وتعالى،فلما أراد ذبحه ولم يبق إلا أن يوهي بالسكين إلى حلقه ورفع عنهما هذا الأمر وفداه بذبح عظيم.
اختلف الفقهاء في حكم الحلق والتقليم للمضحي ، وذلك خلال العشر الأوائل من ذي الحجة، فقيل بالحرمة، وقيل بالكراهة، و قيل: إن الترك مستحب، وليس بواجب، وقيل : لايكره، وعلى كل، فالمسألة من الأمور الخلافية التي تسع الجميع في الأخذ بأي رأي فيها دون تعصب لرأي على حساب آخر، ويمكن الخروج منها أن الحلق والتقصير والتقليم لمن أراد التضحية خلاف الأولى ، وبذا يمكن الجمع بين كثير من الآراء الواردة في المسألة ، والرجل والمرأة في ذلك سواء . ويكون ذلك في الأيام العشر الأول من ذي الحجة .
هل يستحب لمن نوى الأضحية أن لا يأخذ من شعره وأظفاره:
يقول الدكتور يونس الأسطل أستاذ الشريعة بفلسطين :
من أراد أن يضحي استحب له أن يتحاشى أخذ شيء من شعره أو من أظفاره طيلة الأيام العشرة الأولى من ذي الحجة إلى أن يذبح أضحيته فيحلق ويقصر، وهذا لا يمنع المرأة من أن تحك أو تمتشط متى أرادت؛ لأن الكراهية متوجهة للمتعمد وليس لغير المتعمد، والسر في هذه السنة أن يتشبه المضحي بالحجاج في مظهره لعل الله أن يرحمه كما يرحم الحجاج؛ لأن التبذل في المظهر يدعو إلى العطف والرحمة على صاحبه، ونحن بذلك نستعطف الله علينا لعله يغفر لنا ويرحمنا.انتهى وفي حديث أم سلمة )أن رسول الله ﷺ قال : إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره )
يقول الإمام الشوكاني تعليقا على هذا الحديث : الحديث استدل به على مشروعية ترك أخذ الشعر والأظفار بعد دخول عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي وقد اختلف العلماء في ذلك: فذهب سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد وإسحاق وداود وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية.
وقال الشافعي وأصحابه : هو مكروه كراهة تنزيه وليس بحرام . وحكى الإمام المهدي في البحر عن الإمام يحيى والهادوية والشافعي أن ترك الحلق والتقصير لمن أراد التضحية مستحب.
وقال أبو حنيفة : لا يكره , والحديث يرد عليه. وقال مالك في رواية : لا يكره , وفي رواية : يكره , وفي رواية: يحرم في التطوع دون الواجب. واحتج من قال بالتحريم بحديث أم سلمة ; لأن النهي ظاهر في ذلك.
واحتج الشافعي بحديث عائشة أن النبي ﷺ { كان يبعث بهديه ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر هديه } فجعل هذا الحديث مقتضيا لحمل حديث الباب على كراهة التنزيه ولا يخفى أن حديث الباب أخص منه مطلقا فيبنى العام على الخاص ويكون الظاهر مع من قال بالتحريم ، ولكن على من أراد التضحية.
قال أصحاب الشافعي : والمراد بالنهي عن أخذ الظفر والشعر النهي عن إزالة الظفر بقلم أو كسر أو غيره والمنع من إزالة الشعر بحلق أو تقصير أو نتف أو إحراق أو أخذه بنورة أو غير ذلك من شعور بدنه. قال إبراهيم المروزي وغيره من أصحاب الشافعي : حكم أجزاء البدن كلها حكم الشعر والظفر . ودليله ما ثبت في رواية لمسلم{ فلا يمسن من شعره وبشره شيئا}.
والحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء للعتق من النار. وقيل : للتشبه بالمحرم , حكى هذين الوجهين النووي وحكي عن أصحاب الشافعي أن الوجه الثاني غلط ; لأنه لا يعتزل النساء ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم .انتهى
وقال الإمام النووي: قال أصحابنا (من الشافعية ): من أراد التضحية فدخل عليه عشر ذي الحجة كره أن يقلم شيئا من أظفاره وأن يحلق شيئا من شعر رأسه ووجهه أو بدنه حتى يضحي , لحديث أم سلمة هذا . هو المذهب أنه مكروه كراهة تنزيه , وفيه وجه أنه حرام, حكاه أبو الحسن العبادي في كتابه الرقم , وحكاه الرافعي عنه لظاهر الحديث.
وأما قول الإمام الشيرازي والشيخ أبي حامد والدارمي والعبدري ومن وافقهم أن المستحب تركه , ولم يقولوا : إنه مكروه فشاذ ضعيف مخالف لنص هذا الحديث . وحكى الرافعي وجها ضعيفا شاذا أن الحلق والقلم لا يكرهان إلا إذا دخل العشر ، واشترط أضحية أو عين شاة أو غيرها من مواشيه للتضحية . وحكى قولا أنه لا يكره القلم , وهذه الأوجه كلها شاذة ضعيفة ( والصحيح ) كراهة الحلق والقلم من حين تدخل العشر.
آراء العلماء في الخذ من الشعر والأظافر للمضحي:
الحاصل في المسألة أوجه:
( الصحيح ) كراهة الحلق والقلم من أول العشر كراهة تنزيه.
(والثاني) كراهة تحريم .
(والثالث) المكروه الحلق دون القلم.
(والرابع) لا كراهة إنما هو خلاف الأولى .
(الخامس) لا يكره إلا لمن دخل عليه العشر وعين أضحية.
والمذهب الأول المراد بالنهي عن الحلق والقلم المنع من إزالة الظفر بقلم أو كسر أو غيره , والمنع من إزالة الشعر بحلق أو تقصير أو نتف أو إحراق أو بنورة وغير ذلك وسواء شعر العانة والإبط والشارب , وغير ذلك.
ومذهبنا أن إزالة الشعر والظفر في العشر لمن أراد التضحية مكروه كراهة تنزيه حتى يضحي , وقال مالك وأبو حنيفة لا يكره .
وقال سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد وإسحاق وداود : يحرم , وعن مالك أنه يكره , وحكى عنه الدارمي : يحرم في التطوع ولا يحرم في الواجب .
واحتج القائلون بالتحريم بحديث أم سلمة واحتج الشافعي والأصحاب عليهم بحديث عائشة أنها قالت { كنت أفتل قلائد هدي رسول الله ﷺ ثم يقلده ويبعث به , ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر هديه} رواه البخاري ومسلم , قال الشافعي : البعث بالهدي أكثر من إرادة التضحية , فدل على أنه لا يحرم ذلك.