اختلف العلماء في الحلق والتقصير بعد العمرة أو بعد الحج: أهو نسك أم لا؟ وبعبارة أخرى: الحلق والتقصير نسك أم خروج من النسك؟ أي استباحة محظور.

القول المشهور الذي عليه جماهير العلماء: أنه نسك، لأن الله تعالى ذكره في كتابه بقوله: (لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله محلقين رؤوسكم ومقصرين لا تخافون) الفتح:

ولأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاث مرات: أن يغفر الله لهم، ودعا للمقصرين مرة واحدة.

وفي قول للشافعي: إنه ليس بنسك، لأنه أمر محظور في الإحرام كالطيب والصيد ولبس المخيط، فهو معتبر من (المرفهات) أو (المُجَمِّلات) للإنسان، فحظر على المحرم في حالة الإحرام ، ليظل أشعث أغبر من آثار الإحرام، فإذا شرع له الحلق فقد شرع له إباحة ما كان محظورا عليه بالإحرام كالطيب والملابس.

وفي الظن ـ والله أعلم ـ أنهم كانوا يعتبرون الحلق أبلغ في الخروج من النسك، وفي نظافة الرأس من التقصير. وكأن بعضهم كانوا يتحرزون منه، فلذا دعا النبي صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثا، ترغيبا لهم في الحلق.

وذكر الإمام النووي رحمه الله في (المجموع) مذاهب العلماء في الحلق: هل هو نسك أولا؟ قال: ذكرنا أن الصحيح في مذهبنا أنه نسك، وبه قال مالك وأبو حنيفة وأحمد وجمهور العلماء. وظاهر كلام ابن المنذر والأصحاب: أنه لم يقل بأنه ليس بنسك أحد غير الشافعي في أحد قوليه. ولكن حكاه القاضي عياض عن عطاء، وأبي ثور، وأبي يوسف أيضا .

ونضيف إلى ما ذكره النووي عن القاضي عياض: أنه رواية أيضا عن الإمام أحمد، ذكرها الإمام ابن قدامة في (المغني) فبعد أن ذكر أنه نسك في ظاهر المذهب، قال: وعن أحمد: أنه ليس بنسك، وإنما هو إطلاق من محظور

ومن هذا يتبين لنا: أن القول بأن الحلق ليس بنسك وإنما هو إطلاق من محظور، قول معتبر، قال به من ذكرنا من الأئمة، وهو قول في مذهب الشافعي، ورواية عن الإمام أحمد. فيسع المسلم أن يأخذ بهذا القول، ولا حرج عليه.