الجمهور على أن الحلق في الحج والعمرة نسك يجبر بدم إن تركه الإنسان، وذهب بعض الفقهاء كأبي ثور، ورواية عن الإمام أحمد، ورواية للشافعية، وأبي يوسف صاحب أبي حنيفة أنه إحلال من محظور وليس بنسك .

وعليه فإن كان الإنسان قادرًا على النسك كان الذبح أولى، وإن كان غير مستطيع فيمكن الأخذ برأي رواية أحمد والشافعية ومن وافقهم.

قال الإمام ابن قدامة الحنبلي في كتابه المغني:

والحلق والتقصير نسك في الحج والعمرة ، في ظاهر مذهب أحمد ، وقول الخرقي الحنبلي ، وهو قول مالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي .

وعن أحمد أنه ليس بنسك ، وإنما هو إطلاق من محظور كان محرمًا عليه بالإحرام ، فأطلق فيه عند الحل ، كاللباس والطيب وسائر محظورات الإحرام . فعلى هذه الرواية لا شيء على تاركه ، ويحصل الحل بدونه .

ووجهها أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالحل من العمرة قبله ، فروى { أبو موسى ، قال : قدمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي : بم أهللت ؟ . قلت : لبيك بإهلال كإهلال رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : أحسنت . فأمرني فطفت بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، ثم قال لي : أحل } . متفق عليه .
وعن جابر ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سعى بين الصفا والمروة ، قال : من كان منكم ليس معه هدي فليحل ، وليجعلها عمرة } رواه مسلم .

وعن سراقة ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا قدمتم فمن تطوف بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، فقد حل ، إلا من كان معه هدي } . رواه أبو إسحاق الجوزجاني ، في ( المترجم ) . ولأن ما كان محرما في الإحرام ، إذا أبيح ، كان إطلاقا من محظور، كسائر محرماته ، والرواية الأولى أصح ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به ، فروى ابن عمر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من لم يكن معه هدي ، فليطف بالبيت ، وبين الصفا والمروة ، وليقصر ، وليحلل } .

وعن جابر ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أحلوا من إحرامكم بطواف بالبيت وبين الصفا والمروة ، وقصروا } . وأمره يقتضي الوجوب . ولأن الله تعالى وصفهم به ، بقوله سبحانه : { محلقين رءوسكم ومقصرين } .

ولو لم يكن من المناسك لما وصفهم به ، كاللبس وقتل الصيد ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم ترحم على المحلقين ثلاثا ، وعلى المقصرين مرة ، ولو لم يكن من المناسك ، لما دخله التفضيل ، كالمباحات ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فعلوه في جميع حجهم وعمرهم ، ولم يخلوا به ، ولو لم يكن نسكا لما داوموا عليه ، بل لم يفعلوه إلا نادرا ، لأنه لم يكن من عادتهم ، فيفعلوه عادة ، ولا فيه فضل ، فيفعلوه لفضله . وأما أمره بالحل ، فإنما معناه – والله أعلم – الحل بفعله ; لأن ذلك كان مشهورا عندهم ، فاستغني عن ذكره ، ولا يمتنع الحل من العبادة بما كان محرما فيها ، كالسلام من الصلاة .انتهى

وفي الموسوعة الفقهية الكويتية :

يرى الحنفية والمالكية والشافعية في أظهر القولين والحنابلة على ظاهر المذهب أن الحلق أو التقصير نسك في الحج والعمرة ، فلا يحصل التحلل في العمرة والتحلل الأكبر في الحج إلا مع الحلق .

وقال الشافعية في أحد القولين – وهو خلاف الأظهر – وأحمد في قول : إن الحلق أو التقصير ليس بنسك ، وإنما هو إطلاق من محظور كان محرما عليه بالإحرام فأطلق فيه عند الحل ، كاللباس والطيب وسائر محظورات الإحرام ، وهذا ما حكاه القاضي عياض عن عطاء وأبي ثور وأبي يوسف أيضا . فعلى هذا الاتجاه لا شيء على تارك الحلق ويحصل التحلل بدونه .

هذا ولا تؤمر المرأة بالحلق بل تقصر لما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ليس على النساء حلق وإنما عليهن التقصير } . وروى علي رضي الله عنه { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة أن تحلق رأسها } ولأن الحلق للتحلل في حق النساء بدعة، ولهذا لم تفعله واحدة من نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم.