حج بيت الله الحرام هو الركن الخامس من أركان الإسلام، وهو واجب مرة واحدة في العمر على كل مسلم بالغ عاقل إذا استطاع إليه سبيلا، أي إذا كانت له القدرة المادية والصحية على أداء هذه الفريضة.
إذا كان المال الموجود لدى المسلم لا يكفي لجمع الأمرين فالواجب تقديم الحج على تزويج الأولاد، لأن الحج واجب، أما تزويج الأولاد فمختلف فيه بين الوجوب والندب، والواجب مقدم على المندوب، والمتفق على وجوبه مقدم على المختلف في وجوبه.
هل يجب على الأب تكاليف زواج إبنه:
يقول الشيخ عطية صقر -رحمه اله تعالى – :
لا يجب على الوالد أن يزوج ولده أو يساعده في زواجه، فذلك مندوب فقط، والحج للقادر عليه لأول مرة واجب.
وإذا تعارض واجب ومندوب قدم الواجب، فعلى الرجل أن يؤدي فريضة الحج أولاً، لأنه مستطيع، وفي الحديث تهديد لمن قدر على الحج ولم يحج، وبخاصة أن جمهور الفقهاء قالوا: إن وجوب الحج على الفور وليس على التراخي، فالتأجيل فيه إثم عندهم.
وعلى الولد أن يصبر حتى يغنيه الله ويستطيع الزواج، كما قال تعالى: {وليستعفف الذين لا يجدون نكاحًا حتى يغنيهم الله من فضله} [سورة النور: 33] وكما قال النبي -ﷺ: “يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء” أي قاطع، رواه مسلم. والباءة هي تكاليف الزواج.
وإذا كان الولد محتاجًا إلى الزواج ليعف نفسه فعليه أن يتزوج من وسط يتناسب مع قدرته ومستواه المادي، وفي النساء كثيرات يوافقن على ذلك بدون مغالاة في المهور والجهاز.
ومثل ذلك يقال في تجهيز الوالد لبنته، فهو سنة غير واجب، أما الحج فهو واجب يقدم على السنة.
وكذلك إذا كان الشاب مستطيعًا بمال يكفيه أحد الأمرين، الحج المفروض لأول مرة، أو الزواج فإذا كان مستقيمًا يستطيع أن يبتعد عن الفاحشة كان زواجه سنة وحجه واجبًا فيقدم الواجب، أما إذا كان ضعيفًا أمام شهوته -إن لم يتزوج بسرعة وقع في الفاحشة- كان زواجه واجبًا ولا يجب عليه الحج لأنه غير مستطيع، فالاستطاعة تكون بعد كفاية الضروريات، والزواج ضروري له في هذه الحالة، والزواج فيه درء للمفاسد فيقدم على الحج الذي فيه جلب للمصلحة كما تقتضيه قواعد التشريع، أما إذا كان الحج مندوبًا أي للمرة الثانية فله الخيار بين الحج والزواج، أو مساعدة الابن أو البنت. انتهى.
حكم تزويج الآباء للأبناء من ناحية المبدأ
يقول الدكتور عبد الكريم زيدان في حكم تزويج الآباء للأبناء من ناحية المبدأ :
ومن تمام كفاية النفقة تزويج المنفق عليه إن لم تكن عنده زوجة إذا احتاج إلى زوجة إعفافًا له؛ لأن ذلك من تمام كفاية نفقته، وبهذا صرح الحنابلة، فقد قالوا: “ويلزمه نفقة زوجة من تلزمه مؤونته، – أي نفقته – ؛لأنه لا يتمكن من الإعفاف إلا به. ويجب أيضًا على من وجبت عليه النفقة لقريبه إعفاف من وجبت له نفقته من أب وإن علا، ومن ابن وإن نزل وغيرهم كأخ وعم إذا احتاج إلى النكاح لزوجة تعفه، أو يدفع المنفق إليه مالاً يتزوج به حرة لأن ذلك مما تدعو حاجته إليه ويستضر بفقده، فلزم على من تلزمه نفقته.. ويصدق المنفق عليه إذا ادعى أنه تائق – أي محتاج إلى النكاح – بلا يمين؛ لأنه هو الظاهر بمقتضى الجبلة” [كشاف القناع” ج3، ص317].
وفي “الدر المختار” في فقه الحنفية: “وعليه نفقة زوجة أبيه بل وتزويجه [“الدر المختار” ج3، ص616].
وفي “الشرح الكبير” و “حاشية الدسوقي” في فقه المالكية” “ويجب على الولد الموسر إعفاف الأب بزوجة واحدة لا أكثر إن أعفته الواحدة، فإن لم تعفه الواحدة زيد عليها من يحصل به العفاف” أما إعفاف الابن بتزويجه من قبل أبيه إذا وجبت نفقته على الأب – فقد قال المالكية: إن المنقول عن الإمام مالك في “المدونة”: لا يجب على الأب تزويج ابنه. ورجح الفقيه اللخمي وجوبه، ولكن رد ابن عرفة قول اللخمي [“الشرح الكبير” و “حاشية الدسوقي].