إن الله سبحانه وتعالى بدأ خلق الإنسان من نطفة ثم طور خلقه إلى أن صار بشرًا سويًّا، وقد زوده الله سبحانه وتعالى منذ نشأته الأولى بجميع الصفات التي قدر الله له أن يوجد عليها، كما قال الله تبارك وتعالى “في أي صورة ما شاء ركَّبَك”.
وقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى الأمشاج أو الكروموزومات التي تشكل طبع الإنسان وأخلاقه في بدء خلق الإنسان فقال تبارك وتعالى: “إنَّا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعًا بصيرًا”، وهذه الأمشاج هي خليط من الصفات الخِلْقية والخُلُقية، وقد قدر الله سبحانه وتعالى لكل إنسان من هذه الصفات ما يناسب شخصيته وما هو مقدر لها في حياته كلها حتى يلقى الله.
فكون هذه الجينات تتحكم في سلوك الإنسان فهذا شيء لا يستطيع أن يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى؛ لأن الشرع قد أشار إلى تداخل عوامل عدة في حياة الإنسان وفي طبائعه كقوله ﷺ: “كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه”، فهذه إشارة من الرسول ﷺ وهو لا ينطق عن الهوى إشارة إلى عمل البيئة التي يعيش فيها الإنسان، فإذا وُجِد الإنسان بين أبوين مسلمين فإنه عادة ينشأ مسلمًا، وبالعكس إذا وُجِد بين أبوين كافرين فإنه عادة يكون كذلك.
وهناك أشياء أخرى تشكل حياة الإنسان وتتحكم في سلوكه، فقد قال الله تبارك وتعالى: “والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئًا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون”، وعلى أي حال فإن الإنسان لا يمكنه بحال من الأحوال أن يحكم على مصيره بالخير أو بالشر، فإن الرسول ﷺ قد قال في الحديث الصحيح: “إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخل الجنة”، فهذا إشارة إلى أن الله سبحانه وتعالى لا يحاسب الإنسان على ما ظهر منه فقط، ولكن الله سبحانه وتعالى يراقب دوافعه ودواخله ونيته، فإذا كان مُصِرًّا على الرذيلة أو المعصية وهو في كامل سلامته النفسية والخلقية والعقلية فإن الله سبحانه وتعالى يجازيه جزاءً شديدًا على عمله الفاسد، أما إذا كان الإنسان غير سوي فإن الله سبحانه وتعالى قد يمحو سيئاته ويتجاوز عنه.
وعلى كل حال فإنه إذا كانت الجينات أو ما شاكل ذلك تتحكم في الإنسان فهذا كله من خلق الله سبحانه وتعالى ليس للإنسان فيه أي شيء، والله سبحانه وتعالى أعلم.