قارئ القرآن مأجور في كل الأحوال سواء أسر بالقراءة أم جهر بها؟ ولكن يستحب الإسرار بالقراءة إذا خاف المرء على نفسه الرياء، أو التشويش على مصل، أو مشتغل بعلم، أو ذكر، أو كان هناك نائم أو مريض تزعجه القراءة بصوت عال، وفيما عدا ذلك فالجهر بالقراءة أفضل، إلا إذا وجد القارئ أنه يكون أقرب للخشوع وتدبر آي القرآن حين يسر بقراءته ففي هذه الحالة يكون الإسرار أفضل.

يقول فضيلة الدكتور أحمد طه ريان -أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر-:
تفضل المولى جل علاه على أمة محمد صلى الله عليه وسلم بكثير من النعم الجليلة، وكان من أجل هذه النعم وأعظمها فضلا تلاوة القرآن الكريم، ففي حديث ابن عمر رضي الله عنهما : قال رسو ل الله صلى الله عليه وسلم: “لا حسد إلا في اثنتين؛ رجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق” أخرجه البخاري ومسلم.
ومن حديث أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلي الله عليه وسلم يقول الرب سبحانه وتعالي: “من شغله القرآن وذكري عن مسألتي؟ أعطيته أفضل ما أعطي السائلين، وفضل كلام الله على سائر الكلام، كفضل الله على سائر خلقه”.

أما الجهر بقراءة القرآن أو الإسرار بها فقد وردت السنة الشريفة بالأمرين، فقد جاء في رفع الصوت بالقراءة حديث الصحيحين: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به”، والمعنى: ما استمع الله تعالى أفضل ولا أعظم من استماعه للنبي صلى الله عليه وسلم حين يقرأ القرآن بصوت مرتفع يجمل القرآن ويزينه بصوت حسن.
كما ورد في الإسرار بالقراءة الحديث الذي أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي: “الجاهر بالقرآن كالجهر بالصدقة والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة”، ومعلوم أن صدقة السر أكثر ثوابا من صدقة العلانية لبعدها عن الرياء وحب السمعة.

وقد أراد الإمام النووي رحمه الله وهو من أئمة الهدى أن يجمع بين الأمرين فقال: إن الإخفاء بالقراءة أفضل؛ حيث خاف القارئ الرياء أو إيذاء مصلين أو نيام بجهر، والجهر في غير ذلك أفضل؛ لأن العمل فيه أكثر، ولأن فائدته تتعدى إلى المسلمين، ولأنه يوقظ قلب القارئ ويجمع همه إلى الفكر، ويصرف سمعه إليه، ويطرد النوم، ويزيد في النشاط، ويدل لهذا الجمع حديث أبي سعيد ـ رضي الله عنه ـ عند أبي داود: “اعتكف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة، فكشف الستر، وقال: “ألا إن كلكم مناجٍ لربه، فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة.

فظاهر النصوص الكريمة والشريفة، تشير إلى جواز الأمرين وإلى فضلهما، إلى أن الجهر بالقراءة قد يكون أكثر ثوابا للجهد الذي يبذله القارئ في ذلك، بشرط ألا يقع في الرياء، وألا يشوش على من حوله من المصلحة، أو يقلق راحة النائم، أو يمنع المذاكرين من استذكار دروسهم.