من يسر هذا الدين وواقعيته أنه لم يعامل المريض معاملة الصحيح ، فمن كان مصابا بسلس البول ، أو انفلات الريح، بحيث صار لا يعرف متى يخرج منه ذلك، وأنه ربما فاجأه ذلك وخرج أثناء الصلاة أو الوضوء، فليس عليه أن يعيد الوضوء، بل عليه أن يتخذ أولا حفاظا يمنع تنجيس ثوبه من النجس الذي يخرج منه – وهذا في غير صاحب الريح – ثم يتوضأ لكل صلاة وضوءا واحدا يصلي به فرضا واحدا وما شاء من النوافل، ولا يعيد الوضوء حتى لو خرجت منه هذه الأشياء، وعليه أن يعيد الوضوء لكل فريضة جديدة.
أما الوضوء قبل الوقت فمن أوجب من العلماء الوضوء إنما أوجبه بعد دخول الوقت ، ولا يصلح عنده الوضوء قبله، ويمكن الترخص برأي الإمام مالك ومن معه الذي لا يرى وجوب إعادة الوضوء لصاحب السلس أصلا بل يكتفي باستحبابه إلا إذا حصل له ناقض من النواقض العادية على أن يكون هذا الترخص في الأوقات الشديدة، ومعنى الترخص هنا عدم إعادة الوضوء أصلا لا قبل الوقت ولا بعده.

هذا عن الوضوء، أما عن الجمع بين الظهر والعصر أو المغرب والعشاء، فهو جائز للمريض رخصة له وترفقا به.

يقول الأستاذ الدكتور عبد الفتاح إدريس:

اعتلال بدن الإنسان أحدُ الأسباب التي ناط الشارع بها الرُّخَصَ في العبادات، ومن هذه الرُّخَصَ التي تَرفُقُ بالمريض رخصةُ الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما تأخيرًا أو تقديمًا، ولهذا ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز جمع المريض بين الصلاتين تقديمًا أو تأخيرًا في وقت إحداهما على سبيل التخيير، كالمسافر، فيفعل أرفقهما به، وقد رُوي هذا عن ابن عباس، وقال به عطاء، وكان ابن سيرين لا يرى بأسًا بالجمع بين الصلاتين للحاجة إذا لم يَتَّخذ ذلك عادة له.

ويرى المالكية أن المَبْطُونَ ـ الذي لا يَضبط استطلاقَ بطنه ـ ونحوَه من كل مَن تَلحَقه مشقةٌ بالوضوء، أو بالقيام لكل صلاة، إذا كانت لا تَلحَقه إذا صلاهما مجتمعتَين ـ فله أن يجمع بين الظهر والعصر في وسط وقت الظهر، وبين المغرب والعشاء في وقت المغرب، وكذلك إذا خاف الشخص إغماءً أو حمًّى أو نحوَ ذلك عند العصر أو العشاء، فإن له أن يقدم العصر في أول وقت الظهر، والعشاء في أول وقت المغرب على المشهور في المذهب.

والجمع بيت الصلاتين في وقت إحداهما تقديمًا أو تأخيرًا هو مذهب بعض الشافعية، وقالوا: يُستحب أن يراعيَ المريضُ في ذلك ما يكون أرفَقَ به؛ فإن كان يثقُل عليه المرض في وقت الأولى أخَّرها إلى الثانية، وإن كان يثقُل عليه في وقت الثانية قدَّمها إلى الأولى، وإلى هذا ذهب الحنابلة وبعض الزيدية.

ومن المعلوم أن الصلاتين اللتان يجمع بينهما هما : الظهر والعصر، ثم المغرب العشاء.

وحجة هؤلاء على جواز الجمع بين الصلاتين للمرض ما رُوي عن ابن عباس قال: جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر، وبين المغرب والعشاء بالمدينة من غير خوف ولا مطر. وفي رواية : من غير خوف ولا سفر.

قال ابن قدامة : أجمع الفقهاء على أن الجمع لا يجوز لغير عذر، فثبت أن جَمْعَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو مقيم بالمدينة على هذا النحو كان بعذر المرض، ورُوي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه أمَر سَهلة بنت سُهيل وحَمْنة بنت جحش، لمّا كانتَا مستَحاضَتَين بتأخير الظهر وتعجيل العصر والجمع بينهما بغسل واحد، فتُصلِّيانِهما معًا، وكذلك المغرب والعشاء، والاستحاضة مرض كما هو معلوم.

ورُوي عن ابن عباس أنه جمع بين الصلاتين بعذر المرض، فأنكر عليه رجل من بني تميم فقال له ابن عباس : أتعلِّمني السُّنَّة لا أُمَّ لك، فذكر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعله.
قال ابن شَقيق : فحاك في صدري من ذلك شيء، فأتيت أبا هريرة عن ذلك، فصدَّق مقالة ابن عباس، ولأنه إذا جاز الجمع بين الصلاتين لأجل السفر جاز الجمع بينهما للمرض أيضًا؛ لتوافر المشقة في كل منهما، بل إن المشقة أظهر في حال المريض عنه في حال المسافر، لأن المشقة على المريض في إفراد أداء كل صلاة في وقتها أشدُّ منها على المسافر، فكان أولَى من المسافر في الترخص بالجمع بين الصلاتين.