يحرم على الصائم أن يجامع زوجته في نهار رمضان، ومن جامع زوجته في نهار رمضان عامداً، فقد وقع في كبيرة من كبائر الذنوب، وأبطل صومه وصوم زوجته، ويجب عليهما الإمساك بقية يومهما لحرمة شهر رمضان، كما يجب عليهما قضاء ذلك اليوم، كما تجب عليهما الكفارة وهي أغلظ الكفارات، وهي عتق رقبة فإن لم يجدا فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطيعا فيطعم كل منهما ستين مسكيناً.
يقول الشيخ الدكتور حسام عفانه –أستاذ الفقه وأصوله بجامعة القدس بفلسطين:-
من المعلوم أن ركن الصيام الأساسي هو الإمساك عن الطعام والشراب والجماع، ومن أهداف الصيام تربية الصائم وتعويده على ضبط شهواته، ومن علامات الإخلاص في الصوم أن الصائم يترك شهواته لله عز وجل، فقد ورد في الحديث القدسي، يقول الله تعالى: (الصوم لي وأنا أجزي به، يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي) رواه البخاري ومسلم.
وورد في بعض روايات الحديث السابق (ويدع لذته من أجلي )، وفي رواية أخرى (يدع امرأته وشهوته وطعامه وشرابه من أجلي)، ووقع في رواية أخرى (يترك شهوته من الطعام والشراب والجماع من أجلي) انظر فتح الباري 4/138.
ويقول الكمال بن الهمام الحنفي عن الصوم: [هذا ثالث أركان الإسلام بعد لا إله إلا الله محمد رسول الله، شرعه سبحانه لفوائد أعظمها كونه موجباً شيئين: أحدهما عن الآخر سكون النفس الأمارة، وكسر سورتها في الفضول المتعلقة بجميع الجوارح من العين واللسان والأذن والفرج، فإن به تضعف حركتها في محسوساتها، ولذا قيل: إذا جاعت النفس شبعت جميع الأعضاء وإذا شبعت جاعت كلها، وما عن هذا صفاء القلب من الكدر، فإن الموجب لكدوراته فضول اللسان والعين وباقيها، وبصفائه تناط المصالح والدرجات] فتح القدير2/233.
إذا تقرر هذا فإنه يحرم على الصائم أن يجامع زوجته في نهار رمضان، ومن جامع زوجته في نهار رمضان عامداً، فقد وقع في كبيرة من كبائر الذنوب، وأبطل صومه وصوم زوجته، ويترتب على ذلك ما يلي:
أولاً:عصيا الله عز وجل ووقعا في الإثم.
ثانياً:إفساد صومه وصوم زوجته.
ثالثاً:يجب عليهما الإمساك بقية يومهما لحرمة شهر رمضان.
رابعاً:يجب عليهما قضاء ذلك اليوم.
خامساً:تجب عليهما الكفارة وهي أغلظ الكفارات، وهي عتق رقبة فإن لم يجدا فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطيعا فيطعم كل منهما ستين مسكيناً.
ويدل على ذلك ما ورد في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال:( بينما نحن جلوس عند النبي ﷺ، إذ جاء رجلٌ، فقال: يا رسول الله هلكت، قال: مالكَ ؟ قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، فقال رسول الله ﷺ: هل تجد رقبة تعتقها؟ قال: لا، قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال:لا، قال: هل تجد إطعام ستين مسكيناً؟ قال: لا، قال: اجلس، قال: فمكث النبي ﷺ، فبينا نحن على ذلك أتي النبي ﷺ بعَرَقٍ فيه تمر، قال: أين السائل؟ قال: أنا، قال: خذ هذا فتصدق به، فقال الرجل: أعلى أفقر مني يا رسول الله ؟ فوالله ما بين لابتيها – أي حرتي المدينة – أهل بيت أفقر من أهل بيتي، فضحك النبي ﷺ حتى بدت أنيابه، ثم قال: أطعمه أهلك) رواه البخاري ومسلم. والعَرَق هو القفة والمكتل ويسع خمسة عشر صاعاً وهي ستون مُدَّاً لستين مسكيناً لكل مسكين مُدّ قاله الإمام النووي في شرح صحيح مسلم 3/184.
وهذا الحديث يدل على وجوب الكفارة على الرجل المجامع لأهله في نهار رمضان، وعلى وجوب قضاء يوم بدل الذي أفطر فيه، والكفارة المذكورة في الحديث لها خصال ثلاث:
الأولى: عتق رقبة.
والثانية: صيام شهرين متتابعين دون أن يكون بينهما فاصل إلا من عذر شرعي كالمرض.
والثالثة: إطعام ستين مسكيناً لكل منهم مُدٌّ بمدِّ النبي ﷺ.
قال الإمام البغوي:[ وفيه – أي حديث أبي هريرة – دلالة من حيث الظاهر أن طعام الكفارة مُدُّ لكل مسكين لا يجوز أقل منه ولا يجب أكثر، لأن خمسة عشر صاعاً إذا قسمت بين ستين مسكيناً يخص كل واحد منهم مُدٌّ، وإلى هذا ذهب الأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد ] شرح السنة 6/285.
والكفارة المذكورة واجبة عند جمهور العلماء على الترتيب، فيبدأ بالعتق أولاً، ونظراً لعدم وجود رقيق في عصرنا الحاضر فيبدأ بصوم ستين يوماً متتابعةً، لا يصح قطعها إلا بعذر شرعي. فإن كان عاجزاً عن الصيام، فإنه يطعم ستين مسكيناً.
قال الإمام البغوي:[وكفارة الجماع مرتبة مثل الظهار فعليه عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فعليه أن يصوم شهرين متتابعين فإن لم يستطع فعليه أن يطعم ستين مسكيناً هذا قول أكثر العلماء…] شرح السنة 6/285.
ومما يدل على الترتيب في الكفارة ما جاء في رواية لحديث أبي هريرة رضي الله عنه السابق أن النبي ﷺ قال للرجل: (أعتق رقبة. قال: لا أجد. قال: صم شهرين متتابعين.قال: لا أطيق. قال: أطعم ستين مسكيناً. قال: لا أجد…) رواه ابن ماجة، وقال العلامة الألباني: صحيح. انظر صحيح سنن ابن ماجة 1/280.
وقال ابن تيمية الجَدُّ رحمه الله:[وفيه – أي الرواية السابقة للحديث – دلالة قوية على الترتيب] نيل الأوطار 4/240.
وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم أن الكفارة على الترتيب، وقد رجحه ابن قدامة المقدسي في المغني 3/140، والشوكاني في نيل الأوطار 4/240.
ويجب على من أفطر بالجماع في نهار رمضان بالإضافة للكفارة أن يقضي ذلك اليوم، لأنه قد ورد في بعض روايات حديث أبي هريرة السابق قول النبي ﷺ للرجل:( وصم يوماً واستغفر الله )، وفي رواية أخرى ( أن النبي ﷺ قال له:( اقض يوماً مكانه )، وقال العلامة الألباني بعد أن فصَّل الكلام على هذه الزيادة:[صحيح بمجموع طرقه وشواهده] انظر إرواء الغليل 4/90-93.
وقال الإمام البغوي:[ وقوله:( صم يوماً واستغفر الله ) فيه بيان أن قضاء ذلك اليوم لا يدخل في صيام الشهرين عن الكفارة، وهو قول عامة أهل العلم غير الأوزاعي ] شرح السنة 6/288-289.
فإن عجز عن الكفارة بخصالها الثلاث لم تسقط عنه وتبقى ديناً في ذمته على الراجح من أقوال العلماء إلى أن تتيسر له الكفارة فيكفر.
قال الإمام النووي:[فإن عجز عن الخصال الثلاث فللشافعي قولان:
أحدهما: لا شيء عليه، وإن استطاع بعد ذلك فلا شيء عليه…
والقول الثاني: وهو الصحيح عند أصحابنا وهو المختار أن الكفارة لا تسقط، بل تستقر في ذمته حتى يتمكن قياساً على سائر الديون والحقوق والمؤآخذات كجزاء الصيد وغيره. وأما الحديث فليس فيه نفي استقرار الكفارة، بل فيه دليل لاستقرارها؛ لأنه أخبر النبي ﷺ بأنه عاجز عن الخصال الثلاث، ثم أتى النبي ﷺ بعرق التمر فأمره بإخراجه في الكفارة فلو كانت تسقط بالعجز لم يكن عليه شيء ولم يأمره بإخراجه، فدل على ثبوتها في ذمته، وإنما أذن له في إطعام عياله لأنه كان محتاجاً ومضطراً إلى الإنفاق على عياله في الحال والكفارة على التراخي فأذن له في أكله وإطعام عياله وبقيت الكفارة في ذمته…] شرح النووي على صحيح مسلم 3/182-183.
وأما الزوجة فتلزمها الكفارة أيضاً على الراجح من أقوال أهل العلم، وهو قول أبي حنيفة ومالك وأحمد، وإن لم يرد لها ذكر في الحديث.
قال العلامة الشيخ محمد بن عثيمين: [المرأة لم يأت لها ذكر، والرجل استفتى عما حصل منه، والمرأة قد تكون مكرهةً فلا شيء عليها، وقد تكون جاهلة، وقد تكون مفطرة، لأنه سبق لنا أن المرأة إذا طهرت من الحيض في أثناء النهار فلا يلزمها الإمساك على القول الراجح، فالمهم أن يقال: الحديث ليس فيه ذكر للمرأة لا بوجوب الكفارة، ولا بانتفائها، ولا بوجوب القضاء، ولا بانتفائه، ولكن لدينا قاعدة شرعية وهي: “ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء إلا بدليل، وما ثبت في حق النساء ثبت في حق الرجال إلا بدليل “هذه القاعدة في جميع الأحكام الشرعية، وإذا كان كذلك فنقول: الأصل أن المرأة إذا وافقت الزوج عالمة بالتحريم غير معذورة بنسيان، ولا إكراه، فحكمها كالزوج، فإن قال قائل: أرأيتم لو أنها استجابت ظناً منها أنه يجب عليها طاعة زوجها في هذا، فهل عليها القضاء والكفارة ؟ فالجواب: لا، لأنها في هذه الحال جاهلة تظن أن تمكينها زوجها، من طاعة الله عز وجل] عن الإنترنت.
وذكر الشوكاني احتمال أن تكون المرأة مكرهةً كما يرشد إلى ذلك قوله في رواية الدارقطني (هلكت وأهلكت). نيل الأوطار4/242. وبهذا أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السعودية، فتاوى اللجنة 10/320.
وختاماً لا بد من التنبيه على الأمور التالية:
1- يجب على الصائم أن يصون صيامه عن كل ما يخدشه، لقوله ﷺ: (فإذا كان يوم يصوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سآبه أحد أو قاتله فليقل إني صائم) رواه البخاري ومسلم. والرفث هو الكلام الفاحش، ويطلق على الجماع وعلى مقدماته وعلى ذكره مع النساء أو مطلقاً، ويحتمل أن يكون لما هو أعم منها، كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في فتح الباري 4/135. لذا على الصائم – وخاصة الشاب – أن يبتعد عن مقدمات الجماع كالقبلة والمداعبة، لأنها قد تؤدي إلى إبطال الصيام.
2-الاستمناء في نهار رمضان مفطر للصائم وهو ذنب عظيم، ويلزم قضاء ذلك اليوم ولا كفارة عليه.
3- الاحتلام في نهار رمضان لا يؤثر في الصيام ولا شيء على المحتلم نهاراً في رمضان.
4- من أمذى في نهار رمضان فلا يفطر على الراجح من أقوال الفقهاء وهو قول أبي حنيفة والشافعي واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وإن كان الأولى في حق الصائم أن يبتعد عن كل ما يثير الشهوة.
وخلاصة الأمر أنه يجب على من جامع زوجته في نهار رمضان أن يمسك بقية يومه، لحرمة رمضان، وتلزمه الكفارة على الترتيب المذكور في حديث أبي هريرة السابق،ويلزمه قضاء ذلك اليوم، والتوبة والاستغفار، وعلى المسلم أن يصون صيامه عن كل ما يخدشه، وأن يحافظ على صيامه، وأن لا يعرضه للإبطال، وأن يبتعد عن كل ما ينقص أجره، وعلى الصائم أن يدرك مدى حرمة شهر الصيام، وأن يعظم حرمات الله، يقول تعالى:{ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} سورة الحج الآية 30. وقال تعالى {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} سورة الحج الآية 32.
والله تعالى أعلم.