توجد عدة جلسات مشروعة منها الواجب ، كالجلوس للتشهد الأخير اتفاقاً ، والأوسط عند البعض ، والجلوس بين خطبتي الجمعة ، ومنها المستحب ، كالجلوس بين التراويح والجلوس للأكل والشرب ، والجلوس للتبول ـ وقيل هو واجب .
وأما الجلسات المكروهة :
فمنها : الجلوس في السنن الرواتب ـ المؤكدة :
قال ابن قدامة المقدسي في كتابه( المغني ): لا نعلم خلافاً في إباحة التطوع جالساً ، ولكنه خلاف الأولى ، وقد قال النبي ﷺ : { من صلى قائماً فهو أفضل ، ومن صلى قاعداً فله نصف أجر القائم } . وفي لفظ مسلم { صلاة الرجل قاعداً نصف الصلاة } .
ولأن كثيراً من الناس يشق عليهم طول القيام ، فلو وجب في التطوع لترك أكثره ، فسامح الشارع في ترك القيام فيه ترغيباً في تكثيره ، كما سامح في فعله على الراحلة في السفر .
وأما السنن الرواتب فقد صرح بعض الفقهاء أن الجلوس فيها مع القدرة على القيام مكروه .
وأما الجلوس في الفرائض لغير العاجز عن القيام فهو حرام ويبطل الصلاة.
ومنها : جلسة الاستراحة عند الجمهور :
ذهب الحنفية والمالكية وهو مقابل الأصح لدى الشافعية ، والصحيح من المذهب لدى الحنابلة إلى أن المصلي إذا قام من السجدة الثانية لا يجلس جلسة الاستراحة ، ويكره فعلها تنزيهاً لمن ليس به عذر .
وروي ذلك عن عمر وعلي وابن مسعود ، وابن عمر وابن عباس رضي الله عنهم ، وبه قال الثوري وإسحاق ، قال الترمذي : وعليه العمل عند أهل العلم ، وقيل : تلك السنة .
ويرى الشافعية في الأصح وهو روايةٌ ثانيةٌ عن أحمد أنه يسن بعد السجدة الثانية جلسة للاستراحة في كل ركعةٍ تقوم عنها ، لما روى مالك بن الحويرث : { أن النبي ﷺ كان يجلس إذا رفع رأسه من السجود قبل أن ينهض في الركعة الأولى } .
ومنها :الجلوس قبل الخطبتين وبعد الصعود إلى المنبر في العيدين عند بعض الفقهاء :
لا خلاف بين الفقهاء في أن الخطيب يجلس إذا صعد المنبر في الجمعة ، واختلفوا في خطبة العيدين : فذهب الحنفية ـ وهو وجه عند كل من المالكية والشافعية والحنابلة ـ إلى أنه لا يجلس . لأن الجلوس لانتظار فراغ المؤذن من الأذان في الجمعة ، وهو غير مشروع في العيدين ، فلا حاجة إلى الجلوس .
وذهب المالكية ـ وهو الصحيح المنصوص عليه عند الشافعية ، والمذهب عند الحنابلة ـ إلى أنه يجلس إذا صعد المنبر ليستريح ، ولأنه أهدى لما يريد أن يفتتحه ، وفيه زيادة وقار .
ومنها : الجلوس في خطبة الجمعة للإمام لغير عذر :
فمن خطب جالساً : فإن كان لعذرٍ فلا خلاف بين الفقهاء في أنه يجوز ، لأن الصلاة تصح من القاعد العاجز عن القيام فالخطبة أولى ، وكذلك الحكم إن كان بغير عذرٍ في خطبتي العيد دون الجمعة ، عند الحنفية والمالكية ، والشافعية ، وهو المذهب عند الحنابلة لأن خطبة العيد ليست واجبةً فأشبهت صلاة النافلة ، ولما روي أن عثمان رضي الله عنه لما أسن كان يخطب جالساً ، وفي هذه الحالة ، فيفصل بينهما بسكتة .
ومنها : الجلوس على الحرير :
اختلف الفقهاء في جواز الجلوس على الحرير : فيرى المالكية والشافعية والحنابلة ومحمد بن الحسن من الحنفية - وقيل : أبو يوسف أيضا مع محمد - أنه حرامٌ ، لما رواه حذيفة قال : { نهانا رسول الله ﷺ عن لبس الحرير والديباج وأن يجلس عليه } .
وذهب أبو حنيفة وأبو يوسف إلى جوازه ، لما روي أن النبي ﷺ { جلس على مرفقة ـ متكأ ـ حرير } ، وكان على بساط ابن عباس رضي الله عنهما مرفقة حرير . وأيضا روي أن أنساً رضي الله تعالى عنه حضر وليمةً فجلس على وسادة حرير ، ولأن الجلوس على الحرير استخفافٌ وليس بتعظيمٍ ، فجرى مجرى الجلوس على بساط ـ فراش ـ فيه تصاوير . فيكره من أجل الخلاف فيه.
ومنها :جلوس من يتبع الجنازة قبل وضعها عند الحنفية والحنابلة:
ذهب الحنفية والحنابلة إلى أنه يكره لمتبع الجنازة الجلوس قبل وضعها ، ولا بأس بالجلوس بعد الوضع ، لما روي عن عبادة بن الصامت { أنه ﷺ كان لا يجلس حتى يوضع الميت في اللحد ، فكان قائماً مع أصحابه على رأس قبرٍ ، فقال يهودي : هكذا نصنع بموتانا ، فجلس ﷺ وقال لأصحابه : خالفوهم } . أي في القيام .
ثم صرح الحنفية أن الكراهة هنا تحريمية للنهي عن ذلك ، فيما روي عن أبي سعيد مرفوعاً : { إذا اتبعتم الجنازة فلا تجلسوا حتى توضع } وفي رواية أبي هريرة : { حتى توضع بالأرض } .
وعند المالكية لا بأس بالجلوس عند القبر قبل أن توضع الجنازة عن الأعناق .
وعند الشافعية هو بالخيار إن شاء قام منتظراً ، وإن شاء جلس .
ومنها : الجلوس على القبور :
لا خلاف بين الفقهاء في أن الجلوس على القبور إذا كان لبولٍ أو غائطٍ فلا يجوز قولاً واحداً . واختلفوا فيما إذا كان لغير ذلك .
فقال الحنفية وهو المذهب عندهم ، والشافعية والحنابلة إلى أنه يكره الجلوس على القبور ، لما روى أبو مرثد الغنوي ” أن النبي ﷺ قال : { لا تجلسوا على القبور ، ولا تصلّوا إليها } .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي ﷺ : { لأن يجلس أحدكم على جمرةٍ فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خيرٌ له من أن يجلس على قبر } .
قال الحنفية والشافعية : وإن أراد الجلوس أثناء زيارة القبور يجلس بعيداً أو قريباً بحسب مرتبته في حال حياته . وعبارة الشافعية : ينبغي للزائر أن يدنو من القبر بقدر ما كان يدنو من صاحبه في الحياة لو زاره .
ويرى الطحاوي من الحنفية ، ونسب القول إلى أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد جواز الجلوس على القبر ، وهو ما ذهب إليه المالكية أيضا ، لما روي أن علياً رضي الله عنه كان يتوسد القبر ، ويجلس عليه .
قال الطحاوي : وتنتفي الكراهة مطلقاً إذا كان الجلوس للقراءة .
ومنها : الجلوس في المسجد للقضاء عند الشافعية ، وعند المالكية في بعض الأوقات :
ذهب الحنفية والمالكية في الصحيح من المذهب ، والحنابلة إلى جواز جلوس القاضي في المسجد للحكم ، والجامع أولى ، لأنه أشهر ، ويختار مسجداً في وسط البلد ، لئلا يبعد على قاصديه .
والدليل على ذلك أن رسول الله ﷺ { كان يفصل بين الخصوم في المسجد } ، فقد روي أنه عليه الصلاة والسلام قال : { إنما بنيت المساجد لذكر الله وللحكم } ولئلا يشتبه على الغرباء مكانه . وكذا الخلفاء الراشدون بعده ، وكان عليٌّ رضي الله تعالى عنه له دكّةٌ ـ كرسيٌّ ـ في مسجد الكوفة .
وصرح المالكية بأنه إذا جلس للقضاء في المسجد ، فإنه يجلس بغير يوم عيد فطرٍ أو أضحى ، ويكره جلوسه يوم عيد ، لأنه يوم فرحٍ وسرورٍ ، ومصافاةٍ لا يوم مخاصمةٍ . وبغير يوم قدوم الحاج وخروجه ، لاشتغال الناس فيه بتهنئة القادمين ، أو وداع الخارجين ، وبغير يوم التروية ويوم عرفة .
وروى ابن حبيب من المالكية أن القاضي يجلس برحاب المسجد الخارجة عنه واستحسن البعض هذا ، مستدلاً بقوله ﷺ : { جنبوا مساجدكم رفع أصواتكم وخصوماتكم } .
ويستحب عند الشافعية أن يجلس القاضي في دارٍ لا في مسجدٍ ، فيكره عندهم اتخاذه مجلساً للحكم في الأصح ، صوناً له عن ارتفاع الأصوات ، واللغط الواقعين بمجلس القضاء عادةً ، ولأن القضاء قد يحضره مشرك وهو نجسٌ بالنص .
ومنها : جلوس الرجل عند إقامة الحد عند البعض :
ذهب الحنفية - ما عدا أبا يوسف - والمالكية والشافعية ، والحنابلة إلى أن المرأة تضرب في جميع الحدود التي فيها الضرب جالسةً ، لما روي عن علي رضي الله تعالى عنه أنه قال : تضرب المرأة جالسةً ، والرجل قائماً ، ولأن المرأة عورة ، وجلوسها أستر لها .
ويرى أبو يوسف وابن أبي ليلى أنها تحد قائمة ، كما تلاعن .
وأما الرجل فلم يقل بضربه جالسا في الحدود إلا المالكية والحنابلة في رواية ، لأن الله تعالى لم يأمر بالقيام ، ولأنه مجلود في حد ، فأشبه المرأة .
ومنها : جلسة الاحتباء يوم الجمعة :
وهي أن يجمع ركبتيه وصدره في ثوبٍ واحدٍ ـ أي : يضم ركبتيه إلى صدره وهو جالسٌ ويمسكهما بثوبه أو بذراعيه ـ لورود النهي عنها ، ولأنه يدعو إلى النوم ، فلا ينتبه للخطبة ، وقد ينقض وضوءه.
( انتهى ـ من موسوعة الفقه الكويتية ، بتصرف يسير ) .