الجدل لغة ‏:‏ مقابلة الحجة بالحجة .‏

والمجادلة ‏:‏ المناظرة والمخاصمة ولا يخرج الجدل اصطلاحا عن المعنى اللغوي ‏.‏ ‏

‏‏والمراء ‏والمماراة ‏:‏ الجدال ‏,‏ وهو مصدر مارى يماري ‏,‏ أي جادل ‏,‏ ويقال أيضا ماريته إذا طعنت في قوله تزييفا للقول ‏,‏ وتصغيرا للقائل ؛ ولا يكون المراء إلا اعتراضا بخلاف الجدال فإنه يكون ابتداء واعتراضا ‏.‏ ‏

أقسام الجدال؟

الجدل قسمان ‏:‏ ممدوح ومذموم ‏.‏ ‏
الجدل الممدوح‏:‏يكون الجدل ممدوحا شرعا إذا قصد به تأييد الحق ‏,‏ أو إبطال الباطل ‏,‏ أو أفضى إلى ذلك بطريق صحيح ‏.‏ ‏
‏وقد يكون فرض عين إذا تعين على شخص ما الدفاع عن الحق ‏.‏ ‏

‏وقد يكون فرض كفاية بأن يكون في الأمة من يدافع عن الحق بالأسلوب السليم ‏,‏ والأصل في ذلك قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ‏}‏ وقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ‏}‏ ‏.‏ ‏

‏والمجادلة بالحق من سنن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع الأمم عند الدعوة ‏;‏ لأنه لو ‏ قابلهم الأنبياء بغلظة لنفرت طباعهم وانصرفت عقولهم عن التدبر لما قالوا ‏,‏ والتدبر لما جاءوا به من البينات ‏,‏ فلم تتضح لهم المحجة ولم يقم عليهم الحجة ‏.‏ ‏الجدل المذموم ‏:‏ ‏

الجدل المذموم: هو كل جدل بالباطل ‏,‏ أو يستهدف الباطل ‏,‏ أو يفضي إليه ‏,‏ أو كان القصد منه التعالي على الخصم والغلبة عليه ‏,‏ فهذا ممنوع شرعا ‏,‏ ويتأكد تحريمه إذا قلب الباطل حقا ‏,‏ أو الحق باطلا ‏.‏ ‏

‏وقد يكون الجدل مكروها إذا كان القصد منه مجرد الظهور والغلبة في الخصومة ‏.‏ ‏

وعلى ذلك فالنصوص الشرعية الآمرة بالجدل محمولة على النوع الأول كقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ وجادلهم بالتي هي أحسن ‏}‏ ‏.‏ وأما النصوص الشرعية التي ذمت الجدل فمحمولة على النوع الثاني كقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ ويجادل الذين كفروا بالباطل ليدحضوا به الحق ‏}‏ وقوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد ‏}‏ ‏-‏ فلا تعارض بين النصوص الواردة في النهي عن الجدل ‏,‏ والنصوص الواردة في الأمر به ‏,‏ لأننا نعلم يقينا أن الجدل الذي أمر الله به غير الجدل الذي نهى الله عنه ‏,‏ فتحمل نصوص النهي على الجدال بالباطل ونصوص الأمر به على الجدال بالحق ‏.‏ ‏

والجدال بالحق لإقامة الحجة على أهل الإلحاد والبدع من الجهاد في سبيل الله كما روي عن النبي أنه قال ‏:‏ ‏{‏ جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم ‏}‏ وإنما يكون الجهاد باللسان بتبيان الحق بالحجة والبرهان لا بالشغب والهذيان والسب والشتم ‏,‏ والقرآن أبلغ في حججه وبراهينه ‏,‏ ولهذا أمر الرسول أن يجاهد الكفار بالقرآن ‏,‏ قال تعالى ‏:‏ ‏{‏ وجاهدهم به جهادا كبيرا ‏}‏ ‏.‏ ‏
‏والجدال بالحق من النصيحة في الدين ‏,‏ وفي قصة نوح عليه السلام قولهم له ‏:‏ ‏{‏ يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا ‏}‏ فكان جوابه لهم قوله ‏:‏ ‏{‏ ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم ‏}‏ ‏.‏ ‏

حكم مجادلة أهل الكتاب؟

قال ابن القيم في قصة وفد نصارى نجران وما اشتملت عليه من فوائد ما نصه ‏:‏ ‏
‏ومنها ‏:‏ جواز مجادلة أهل الكتاب ومناظرتهم ‏,‏ بل استحباب ذلك ‏,‏ بل وجوبه إذا ظهرت مصلحته من إسلام من يرجى إسلامه منهم وإقامة الحجة عليهم ‏,‏ ولا يهرب من مجادلتهم إلا عاجز عن إقامة الحجة ‏,‏ فليؤد ذلك إلى أهله ‏(‏ أي القادرين عليه ‏)‏ ‏.‏

‏وقال الشوكاني عند تفسير قوله تعالى ‏:‏ ‏{‏ ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا ‏}‏ ‏,‏ أي ما يخاصم في دفع آيات الله وتكذيبها إلا الذين كفروا ‏,‏ والمراد ‏:‏ الجدال بالباطل ‏,‏ والقصد إلى دحض الحق ‏,‏ فأما الجدال لاستيضاح الحق ‏,‏ ورفع اللبس ‏,‏ وتمييز الراجح من المرجوح ‏,‏ ودفع ما يتعلق به المبطلون ‏,‏ فهو من أعظم ما يتقرب به المتقربون ‏,‏ وبذلك أخذ الله الميثاق على الذين أوتوا الكتاب فقال ‏:‏ ‏{‏ وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه ‏}‏ ‏.‏ ‏

بتصرف من الموسوعة الفقهية الكويتية