لو وفر شخص مالا عنده أو جُزءًا من راتبه في بنك أجنبي ولا يقصد بذلك إلا حفظَ المال أو الراتب من التآكُّل، وفي نظير ذلك يُعطي البنك أرباحًا بنسبة غير محدّدة لهذا الشخص.
هذه المعاملة تدور بين الوديعة والقرض والقِراض، وبيان ذلك:
1 ـ إذا كانت وديعة فلا يجوز للمُودَع عنده التصرُّف فيها إلا بإذن المُودِع؛ لأنها مضمونة تردُّ بذاتها أو ببدلِها إن تَلِفتْ، سواء أكان هذا البدل عينًا أم قيمة، وحيث إن المودع عنده وهو البنك قد تصرف فيها فتكون أرباحها والناتج منها ملكًا لصاحبها المودِع وللبنك أجر هذا الاستثمار، وهذا إذا كان الاستثمار حلالًا، إلا إذا أذن المودع، للبنك في استثمارها فيكون الناتج ملكًا للبنك.
لكن قال العلماء: إن وديعة النقود لا تضمَن بذاتها وعينها، بل يجوز أن تُردَّ إلى صاحبها نقودًا أخرى مساوية لها في قيمتها، وتعتبر حينئذٍ قرضًا حيث أذن للمفترض أن يتصرّف فيها كما يشاء، وعليه فلا يستحق صاحب الوديعة “القرض” أكثر منها، وقد قرّرت بعض القوانين المدنيّة أن الوديعة المأذون في التصرّف فيها تُعتبر قرضًا.
2 ـ وإذا كانت هذه النقود المودَعة في البنك للحفظ أخذت صفة القرض، وأعطى البنك عليها أرباحًا فينظر إلى القاعدة المعروفة “كل قرض جَرّ نفعًا فهو ربا” والعلماء فيها فريقان:
1 ـ فريق قال: يكون القرض الذي جرّ نفعًا من باب الرِّبا إن كان النفع مشروطًا في العقد، أما إذا لم يكن مشروطًا فإن النفع يكون من باب الهديّة يجوز قَبوله، كما ردّ الرسول قرض اليهودي بأكثر منه.
ثم قال هذا الفريق: العُرف ينزل منزلة الشّرط، يعني إذا كان معروفًا أن هذا القرض سيجُرُّ نفعًا، حتى لو لم يكن مشروطًا في صُلب العقد، فهو من باب الرِّبا؛ لأن المعروف عرفًا كالمشروط شرطًا.
فمن وضع أمواله ولا يريد أرباحًا، فإذا كان قد وقّع عند الإيداع على رفض الأرباح، ويكون ما يُعطيهم البنك له من باب الهدية فيجوز قَبولها، أما إذا لم يُوقِّع على رفض الارباح، أو وقّع وكان يعلم أن البنك لابد أن يُعطيَه، سواء رضي أم أبَى ـ لأن القانون يقرّر ذلك ـ كانت الأرباح التي تُعطَى له من قَبيل الربا.
ب ـ وفريق من العلماء قال: إن أي نفع من القرض يكون ربا، سواء شرط ذلك أو لم يشرط، وسواء عُرِف أو لم يُعرف.
وعلى هذا فموقف المودِعين من هذه الأرباح إن كانت ربا، هل يتركونها للبنك أو يأخذونها؟ رأيان، ولكن الأوفق هو أخذُها وعدم تركها للبنك، على أن يوجِّهوها للمنفعة العامّة، كمال حرام كان يجب ردّه إلى أصحابه الذين أخذها البنك منهم، ونظرًا لتعذُّر ذلك يُصرَف المال للمنفعة العامّة، ولا ينتفع به من أخذه في مصالحه الشخصية.
3 ـ أما أن يعتبر هذا المال المودَع في البنك من باب القِراض والمضارَبة، فممنوع؛ لأن الشرط في صحة المضارَبة الاتفاق بين الطرفين على تقسيم الربح ومعرفة نسبة التقسيم، وألّا يشترط ضمان رأس المال إلا بالتعدّي، وعليه فلا حقّ للمودعين في الأرباح التي يُعطيها لهم البنك وبخاصّة أن استثمار المال كان بطريق غير مشروع وهو الإقراض للبنوك الأجنبيّة بنسبة معيّنة.
فالخُلاصة كل قرض جرّ نفعًا، سواء أكان مشروطًا أم غير مشروط لكنه معروف عُرفًا، فالأرباح ربا تصرف في المنافع العامة.