قال الخطيب الشربيني الشافعي في مغني المحتاج :-
ويسن للقارئ في الصلاة وخارجها إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله الرحمة , أو بآية عذاب أن يستعيذ منه , أو بآية تسبيح أن يسبح , أو بآية مثل أن يتفكر , وإذا قرأ { أليس الله بأحكم الحاكمين } [ التين ] قال بلى وأنا على ذلك من الشاهدين , وإذا قرأ { فبأي حديث بعده يؤمنون } [ المرسلات ] قال آمنت بالله , وإذا قرأ : { فمن يأتيكم بماء معين } الملك ] قال : الله رب العالمين . انتهى.
وقال ابن قدامة في المغني:-
قيل لأحمد , رحمه الله : إذا قرأ : { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } هل يقول : ” سبحان ربي الأعلى ” . قال : إن شاء قاله فيما بينه وبين نفسه , ولا يجهر به في المكتوبة وغيرها . وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قرأ في الصلاة : { سبح اسم ربك الأعلى } . فقال : سبحان ربي الأعلى .
وعن ابن عباس , أنه قرأ في الصلاة : { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } . فقال : سبحانك , وبلى . وعن موسى بن أبي عائشة , قال : { كان رجل يصلي فوق بيته , فكان إذا قرأ : { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } . قال : سبحانك فبكى , فسألوه عن ذلك , فقال : سمعته عن رسول الله ﷺ } . رواه أبو داود . ولأنه ذكر ورد الشرع به , فجاز التسبيح في موضعه .انتهى.
وقال الحطاب المالكي في مواهب الجليل:-
إذا مر ذكر النبي ﷺ في قراءة الإمام فلا بأس للمأموم أن يصلي عليه وكذلك إذا مر ذكر الجنة والنار فلا بأس أن يسأل الله الجنة ويستعيذ به من النار ويكون ذلك المرة بعد المرة , وكذلك قول المأموم عند قول الإمام { أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى } بلى إنه على كل شيء قدير وما أشبه ذلك .
وسئل مالك فيمن سمع الإمام يقرأ : { قل هو الله أحد } إلى آخرها فقال المأموم : كذلك الله , هل هذا كلام ينافي الصلاة ؟ فقال : هذا ليس كلاما ينافي الصلاة .
كيف نصل إلى مرحلة التفاعل مع القرآن؟
من أجل الوصول إلى مرحلة التفاعل مع القرآن لا بد أن نشعر بأهمية القرآن وعظمته أولا , ومن ثم إدراك مخاطبته لكل واحد منا أمرا ونهيا وإخبارا , فخطاب القرآن المتكرر للمؤمنين تارة : { يا أيها الذين آمنوا } وللناس تارة أخرى : { يا أيها الناس } يشير بوضوح إلى أن المخاطب هو أنت أيها المسلم .
ولكي نتعرف على الطريق الموصلة إلى هذه الغاية العظيمة – التفاعل مع القرآن – التي إن تحققت قلبت موازين حياة ملايين المسلمين , وغيرت الكثير من الأفكار والمفاهيم في عقولهم , وجعلتهم أقرب إلى الله تعالى بمشاعرهم , وأسعد الناس في هذه الدنيا حقيقة لا وهما ……
لا بد من مطالعة حال السلف الصالح مع القرآن الكريم.
و الرجوع إلى نماذج تفاعل الصحابة الكرام (رضي الله عنهم) مع كتاب ربهم.
و مسارعتهم (رضي الله عنهم) إلى الإئتمار بأوامره والانتهاء عن نواهيه , ففيها من الدروس ما ينبغي أن يُتوقف عندها , ومن العبر ما لا ينبغي أن تفوت .
التفاعل الإيجابي مع القرآن؟
إن من يدقق في حال الصحابة مع القرآن الكريم , يمكنه أن يستخلص الكثير من الوسائل المعينة على التفاعل الإيجابي مع كتاب الله تعالى , أردت أن أهمس بها في أذن كل مسلم …. أهمها :
1- اليقين بأن القرآن نزل للتطبيق لا للتلاوة فقط؟
لَمَّا نَزَلَتْ علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ {لِلَّهِ ما في السَّماواتِ وما في الأَرْضِ وإنْ تُبْدُوا ما في أنْفُسِكُمْ أوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ به اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَن يَشاءُ ويُعَذِّبُ مَن يَشاءُ واللَّهُ علَى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 284]، قالَ: فاشْتَدَّ ذلكَ علَى أصْحابِ رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فأتَوْا رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ ثُمَّ بَرَكُوا علَى الرُّكَبِ، فقالوا: أيْ رَسولَ اللهِ، كُلِّفْنا مِنَ الأعْمالِ ما نُطِيقُ، الصَّلاةَ والصِّيامَ والْجِهادَ والصَّدَقَةَ، وقدْ أُنْزِلَتْ عَلَيْكَ هذِه الآيَةُ ولا نُطِيقُها، قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: أتُرِيدُونَ أنْ تَقُولوا كما قالَ أهْلُ الكِتابَيْنِ مِن قَبْلِكُمْ سَمِعْنا وعَصَيْنا؟ بَلْ قُولوا: سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ، قالوا: سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ، فَلَمَّا اقْتَرَأَها القَوْمُ، ذَلَّتْ بها ألْسِنَتُهُمْ، فأنْزَلَ اللَّهُ في إثْرِها: {آمَنَ الرَّسُولُ بما أُنْزِلَ إلَيْهِ مِن رَبِّهِ والْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ باللَّهِ ومَلائِكَتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بيْنَ أحَدٍ مِن رُسُلِهِ وقالُوا سَمِعْنا وأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وإلَيْكَ المَصِيرُ} [البقرة: 285]، فَلَمَّا فَعَلُوا ذلكَ نَسَخَها اللَّهُ تَعالَى، فأنْزَلَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَها لها ما كَسَبَتْ وعليها ما اكْتَسَبَتْ رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إنْ نَسِينا أوْ أخْطَأْنا} [البقرة: 286] قالَ: نَعَمْ {رَبَّنا ولا تَحْمِلْ عليْنا إصْرًا كما حَمَلْتَهُ علَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنا} قالَ: نَعَمْ {رَبَّنا ولا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لنا بهِ} قالَ: نَعَمْ {واعْفُ عَنَّا واغْفِرْ لنا وارْحَمْنا أنْتَ مَوْلانا فانْصُرْنا علَى القَوْمِ الكافِرِينَ} قالَ: نَعَمْ.صحيح مسلم
إن أول ما يلفت النظر في الحديث هو : يقين الصحابة وإدراكهم أن كل آية تنزل على النبي ﷺ هي للتطبيق لا للتلاوة وابتغاء الثواب فحسب.
2- المسارعة في تنفيذ ما يحث عليه القرآن؟
كان الصحابة رضي الله عنهم , يسارعون في تطبيق الأمر القرآني مهما عظم و ثقل على النفس، حتى لو تعلق ذلك الأمر بالمال الذي يثقل على النفس إنفاقه عادة.
كانَ أبو طَلْحَةَ أكْثَرَ الأنْصَارِ بالمَدِينَةِ مَالًا مِن نَخْلٍ، وكانَ أحَبُّ أمْوَالِهِ إلَيْهِ بَيْرُحَاءَ، وكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ المَسْجِدِ، وكانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدْخُلُهَا ويَشْرَبُ مِن مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ. قَالَ أنَسٌ: فَلَمَّا أُنْزِلَتْ هذِه الآيَةُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} آل عمران، قَامَ أبو طَلْحَةَ إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فَقَالَ: يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وتَعَالَى يقولُ: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} آل عمران، وإنَّ أحَبَّ أمْوَالِي إلَيَّ بَيْرُحَاءَ، وإنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أرْجُو برَّهَا وذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ، فَضَعْهَا يا رَسولَ اللَّهِ حَيْثُ أرَاكَ اللَّهُ. قَالَ: فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بَخٍ، ذلكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذلكَ مَالٌ رَابِحٌ، وقدْ سَمِعْتُ ما قُلْتَ، وإنِّي أرَى أنْ تَجْعَلَهَا في الأقْرَبِينَ. فَقَالَ أبو طَلْحَةَ: أفْعَلُ يا رَسولَ اللَّهِ. فَقَسَمَهَا أبو طَلْحَةَ في أقَارِبِهِ وبَنِي عَمِّهِ.صحيح البخاري
3- اجتناب ما نها القرآن عنه؟
كان أصحاب رسول الله ﷺ أسرع الناس تركا لما نهاهم الله سبحانه وتعالى عنه , وخير مثال على ذلك : عندما نزلت آيات تحريم الخمر , وقد اعتاد عليه العرب في الجاهلية، حتى إنهم كانوا يقولون في الخمر شعرا وقصائد. ولا يتخيل أحد من العرب الاستغناء عنه يوما أو ليله، ولكن قوة الإيمان في نفوس الصحابة رضوان الله تعالى عليهم جعلت من هذا المشروب المحبوب، رخيصا مبتذلا أمام امتثال نهي الله تعالى عنه واجتنابه .
لقد كان السلف الصالح يقرؤون القرآن بنية الالتزام والتنفيذ , فيشعر كل واحد منهم أن هذا القرآن نزل عليه هو , وأنه المخاطب في كل آية من آياته , وكل كلمة من كلماته , فأصبحوا بطريقتهم هذه قرآنا يمشي على الأرض , يراهم الناس فيرون الإسلام . فالواجب على المسلمين التشبه بهم والسير على الطريق الذي ساروا عليه.
قال الشاعر :
فتشبهوا إن لم تكونوا مثلهم إن التشبه بالكرام فلاح