التغليس هو صلاة الفجر في ظلمة الليل، أما الإسفار فهو الصلاة عند ظهور ضوء الصبح.
ذهب جمهور العلماء إلى أفضلية التغليس في صلاة الفجر وقالوا: يستحب التبكير بالصبح في أول وقتها خلافاً للحنفية لما جاء في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كان رسول الله ﷺ يصلي الصبح، فتنصرف النساء متلفعات بمروطهن، ما يُعرفن من الغلس.
ولكن إذا كان هناك سبب يدعو للإسفار بالصلاة فإن الإسفار في هذه الحالة يكون أفضل، فإن لم يكن ثمة سبب، فالأفضل التعجيل والتبكير بالصلاة في أول وقتها، وهذا هو (التغليس).
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية:
يرى جمهور الفقهاء أن التغليس: أي أداء صلاة الفجر بغلس أفضل من الإسفار بها؛ لقوله ﷺ: { أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها }.
وقال الحنفية: ندب تأخير الفجر إلى الإسفار , لقوله عليه الصلاة والسلام: { أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر } قال الزيلعي: ولا يؤخرها بحيث يقع الشك في طلوع الشمس , بل يسفر بها بحيث لو ظهر فساد صلاته يمكنه أن يعيدها في الوقت بقراءة مستحبة . ويستثنى من الإسفار صلاة الفجر بمزدلفة يوم النحر، حيث يستحب فيها التغليس عند الجميع.أهـ
وقال الإمام الشافعي في الرسالة:
عن رافع بن خديجٍ أن رسول الله قال:” أسفروا بالفجر، أعظم للأجر.أو: أعظم لأجوركم”.
أخبرنا سفيان عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت:” كن النساء من المؤمنات يصلين مع النبي الصبح ، ثم ينصرفن وهن متلفعات بمروطهن، ما يعرفهن أحد من الغلس”.
قال: وذكر تغليس النبي بالفجر سهل بن سعدٍ وزيد بن ثابتٍ وغيرها من أصحاب رسول الله، شبيه بمعنى عائشة.
قال الشافعي: قال لي قائل : نحن نرى أن نسفر بالفجر، اعتماداٌ على حديث رافع بن خديجٍ، ونزعم أن الفضل في ذلك، وأنت ترى أن جائزاٌ لنا اختلف الحديثان أن نأخذ بأحدهما، ونحن نعد هذا مخالفاٌ لحديث عائشة.
قال : فقلت له: إن كان مخالفاٌ لحديث عائشة فكان الذي يلزمنا وإياك أن نصير إلى حديث عائشة دونه، لأن أصل ما نبني نحن وأنتم عليه: أن الأحاديث إذا اختلفت لم نذهب إلى واحدٍ منها دون غيره إلا بسببٍ يدل على أن الذي ذهبنا عليه أقوى من الذي تركنا.
قال: وما ذلك السبب؟ قلت: أن يكون أحد الحديثين أشبه بكتاب الله، فإذا أشبه كتاب الله كانت الحجة.
قال: هكذا نقول.
قلنا: فإن لم يكن فيه نص كتاب الله كان أولاهما بنا الأثبت منهما، وذلك أن يكون من رواه أعرف إسناداٌ وأشهر بالعلم وأحفظ له، أويكون روى الحديث الذي ذهبنا إليه من وجهين أو أكثر، والذي تركنا من وجهٍ ، فيكون الأكثر أولى بالحفظ من الأقل، أو يكون الذي ذهبنا إليه أشبه بمعنى كتاب الله، أو أشبه بما سواهما من سنن رسول الله، أو إلى بما يعرف أهل العلم، أو أصح في القياس، والذي عليه الأكثر من أصحاب رسول الله.
قال: وهكذا نقول ويقول أهل العلم.قلت : فحديث عائشة أشبه بكتاب الله، لأن الله يقول:” حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى”، فإذا حل الوقت فأولى المصلين بالمحافظة المقدم الصلاة.
وهو أيضاٌ أشهر رجالاٌ بالثقة وأحفظ، ومع حديث عائشة ثلاثة كلهم يروون عن النبي مثل معنى حديث عائشة: زيد بن ثابت ، وسهل بن سعدٍ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى الكبرى:
التغليس أفضل إذا لم يكن ثم سبب يقتضي التأخير؛ فإن الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن النبي ﷺ تبين أنَّه كان يغلس بصلاة الفجر كما في” الصحيحين” عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: لقد كان رسول الله ﷺ يصلي الفجر فيشهد معه نساء من المؤمنات متلفعات بمروطهن ثم يرجعن إلى بيوتهن ما يعرفهن أحد من الغلس، والنبي ﷺ لم يكن في مسجده قناديل كما في” الصحيحين” عن أبي برزة الأسلمي: أن النبي ﷺ كان يقرأ في الفجر بما بين الستين آية إلى المائة، وينصرف منها حين يعرف الرجل جليسه، وهذه القراءة هي نحو نصف جزء أو ثلث جزء، وكان فراغه من الصلاة حين يعرف الرجل جليسه، وهكذا في” الصحيح” من غير هذا الوجه أنه كان يغلس بالفجر، وكذلك خلفاؤه الراشدون بعده، وكان بعده أمراء يؤخرون الصلاة عن وقتها، فنشأ في دولتهم فقهاء رأوا عادتهم، فظنوا أن تأخير الفجر والعصر أفضل من تقديمهما، وذلك غلط في السنة، واحتجوا بما رواه الترمذي عن النبي ﷺ أنه قال: ” أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر
وقد صححه الترمذي، وهذا الحديث لو كان معارضاً لم يقاومها؛ لأن تلك في” الصحيحين” وهي مشهورة مستفيضة، والخبر الواحد إذا خالف المشهور المستفيض كان شاذاً، وقد يكون منسوخاً؛ لأن التغليس هو فعله حتى مات، وفعل الخلفاء الراشدين بعده.
وقد تأول الطحاوي من أصحاب أبي حنيفة وغيره كأبي حفص البرمكي من أصحاب أحمد وغيرهما قوله:” أسفروا بالفجر” على أن المراد الإسفار بالخروج منها أي: أطيلوا صلاة الفجر حتى تخرجوا منها مسفرين، وقيل: المراد بالإسفار التبين أي: صلوها إذا تبين الفجر وانكشف ووضح؛ فإن في” الصحيحين” عن ابن مسعود قال: ما رأيت رسول الله ﷺ صلى صلاة لغير وقتها إلا صلاة الفجر بمزدلفة وصلاة المغرب بجمع وصلاة الفجر إنما صلاها يومئذ بعد طلوع الفجر هكذا في” صحيح مسلم” عن جابر قال: وصلَّى صلاة الفجر حين بزق الفجر، وإنما مراد عبد الله بن مسعود أنه كان يؤخر الفجر عن أول طلوع الفجر حتى يتبين وينكشف ويظهر، وذلك اليوم عجلها قبل، وبهذا تتفق معاني أحاديث النبي ﷺ.
وأما إذا أخرّها لسبب يقتضي التأخير مثل المتيمم عادته إنما يؤخرها ليصلي آخر الوقت بوضوء، والمنفرد يؤخرها حتى يصلي آخر الوقت في جماعة، أو أن يقدر على الصلاة آخر الوقت قائماً، وفي أول الوقت لا يقدر إلا قاعداً، ونحو ذلك مما يكون فيه فضيلة تزيد على الصلاة في أول الوقت فالتأخير لذلك أفضل.