تجب التوبة على كل من شارك في هذه الجريمة النكراء لان إجهاض الحمل بعد تخلِّقه أمر محرَّم ولا يجوز ، ومتى وُجد الحمل فإنه يجب المحافظة عليه ، ويحرم على أمه أن تضرَّ به وأن تضايقه بأي شيء لأنه أمانة أودعها الله في رحمها وله حقّ ، فلا يجوز الإساءة إليه أو إسقاطه .

على من باشر الإجهاض وتسبب فيه فردا كان أو جماعة التوبة إلى الله عز وجل والدية وهي غرة عبد أو أمة، وقيمتها عشر دية أمه الحرة والكفارة وذلك لان الأصل في الإجهاض أنه حرام ، وتزداد الحرمة وتعظم كلما طال عمر الحمل والجنين ، فالإجهاض في الأربعين يوما الأولى أخف منه في الأربعين الثانية ، وهكذا ، وتتأكد الحرمة بعد بلوغ الحمل مائة وعشرين يوما ، فساعتها لا يجوز الإجهاض إلا لخوف الخطر المحقق على حياة الأم ، وأجاز بعض الفقهاء الإجهاض إذا كان قبل الأربعين يوما الأولى من الحمل،ولو بغير سبب ، إذا كان برضا الزوجين ولهم استدلالاتهم المعتبرة ، لكن الجمهور من العلماء لا يوافق عل هذا الرأي ،ولو كان الإجهاض بعد ساعة واحدة من الحمل .

فإذا كان الإجهاض قد تم بعد اثنين وأربعين يوما فعلى من قام بالإجهاض ما يعرف بالغرة في الفقه الإسلامي ، وهي تقدر في زماننا هذا ب212.5 جراما من الذهب ، وتوزع على الورثة ، ولا يأخذ منها من اشترك في الإجهاض ، كما يجب صيام شهرين متتابعين ، وإذا كان قبل هذه المدة فلا يجب سوى استغفار الله تعالى ، والتوبة إليه .

وهذه الغرة تعطى لورثة الطفل. وأما المتسبب غير المباشر، فعليه التوبة إلى الله عز وجل مما صنع، فإنه تسبب في إزهاق نفس.

ويجب الإكثار من التوبة والاستغفار عسى الله سبحانه أن يمن بفضله وكرمه وجوده على من فعل ذلك.

يقول الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي:-

حياة الجنين في نظر الشريعة الإسلامية حياة محترمة، باعتباره كائنا حيًا يجب المحافظة عليه، حتى إن الشريعة تجيز للحامل أن تفطر في رمضان، وقد توجب ذلك عليها، إذا خافت على حملها من الصيام.. ومن هنا حرمت الشريعة الاعتداء عليه، ولو كان الاعتداء من أبويه، بل ولو جاء ذلك من أمه التي حملته وهنا على وهن.
حتى في حالة الحمل الحرام ما جاء عن طريق الزنى لا يجوز لها أن تسقطه، لأنه كائن إنساني حي لا ذنب له،قال تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى). (الإسراء: 15).

وقد رأينا الشرع يوجب تأخير القصاص من المرأة الحامل المحكوم عليها بالقصاص، ومثلها المحكوم عليها بالرجم حفاظًا على جنينها، كما في قصة الغامدية المروية في الصحيح، لأن الشرع جعل لولى الأمر سبيلا عليها ولم يجعل له سبيلا على ما في بطنها.

كما رأينا الشريعة توجب دية كاملة على من ضرب بطن امرأة حامل، فألقت جنينا حيًا، ثم مات من الضربة، نقل ابن المنذر إجماع أهل العلم على ذلك. (انظر: المغنى مع الشرح الكبير 9 / 550).
وإن نزل ميتًا ففيه غرة، وتقدر بنصف عشر الدية.

كما رأيناها تفرض على الضارب مع الدية أو الغرة كفارة، وهى: تحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، بل تفرضها هنا سواء كان الجنين حيًا أو ميتًا.

قال ابن قدامة: هذا قول أكثر أهل العلم، ويروى ذلك عن عمر رضى الله عنه.

واستدلوا بقوله تعالى: (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله إلا أن يصدقوا فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة، وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليمًا حكيمًا). (النساء: 92).