يقول الله سبحانه ( وَيَسْأَلُونَكَ عَن الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذَىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقَرَبُوهُنَّ حَتى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِن حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللهُ إنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) ( سورة البقرة: 222 ) .

تنهى الآية عن قُربان الحائض حتى تطهُر والطُّهر يكون بالغُسل عند جمهور العلماء، فيَحْرُم الجِمَاع قبله، وقال أبو حنيفة: يجوز الجماع بمجرد انقطاع الدم ولو قبل الغسل إذا كان الانقطاع لأكثر مدة الحيض، فإن انقطع قبل ذلك حُرِّمَ إلا بعد أن تغتسل أو تتيمم أو يمضي عليها وقت صلاة، والقربان يصدق بالجِماع وبغيره، أما الجِماع فهو حرام باتفاق العلماء، ويؤكِّد حُرْمَته ما نصت عليه الآية وما أقرَّه المختصون من الأذى .

وأما غير الجِمَاع فقد ورد فيه قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما رواه مسلم عن أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم لم يُؤاكلوها ولم يجامعوها، فسأل أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن ذلك فأنزل الله هذه الآية وقال صلى الله عليه وسلم ” اصْنَعوا كلَّ شئ إلا النِّكاح “، وكل شئ ما عدا النكاح جائز فيما عدا ما بين السرة والركبة، كالقُبْلَة وغيرها، تقول السيدة عائشة رضي الله عنها: كنت أشرب وأنا حائض، ثم أناوله النبي صلى الله عليه وسلم ـ أي تناوله الإناء ـ فيضع فاه على موضع فمي فيشرب، وأتعرَّق العَرْق ـ أي العَظم الذي عليه بقية من لحم ـ وأنا حائض ثم أناوله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيضع فاه على فمي . رواه مسلم، وتقول أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يضطجع معي وأنا حائض، وبيني وبينه ثوْب، رواه مسلم أيضًا، كما رُوي مثل هذا عن أم سلمة . قال النووي تعليقًا على ذلك: قال العلماء: لا تُكْرَه مضاجعة الحائض ولا قُبْلَتها ولا الاستمتاع بها فيما فوق السُّرة وتحت الرُّكبة، ولا يكره وضع يدها في شئ من المائعات، ولا يُكْرَه غسل رأس زوجها أو غيره من محارمها وترجيله، ولا يكره طبخها وعجنها وغير ذلك من الصنائع، وسُؤرها ـ بقية شربها ـ وعرقها طاهران، وكل هذا متفق عليه .

أما الاستمتاع بما بين السُّرة والركبة من غير جماع فالآراء فيه مختلفة، فأبو حنيفة ومالك والشافعي يحرمونه، بدليل ما سبق عن ميمونة وأم سلمة من اضطجاع الرسول معها من وجود ثوب حائل، كما روى البخاري عن عائشة قالت: كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يأمر فأتزر فيباشرني وأنا حائض، وروى أحمد وغيره عن عمر أنه سأل الرسول عما يُحل للرجل من امرأته وهي حائض فقال ” له ما فوق الإزَار ” .

أما أحمد بن حنبل فقد أباح الاستمتاع بما بين السُّرة والرُّكبة، بناء على فهمه من اعتزال النساء في المحيض أنه نهى عن موضع الحَيْض وهو الفرج لا غير، وهو احتمال لا يدل على الحُرْمَة في غيره . مع عموم قوله صلى الله عليه وسلم ” اصنعوا كل شيء إلا النكاح ” وقال بِقَوْل أحمد الثوري وإسحاق، ومِنْ قبلهم عطاء وعكرمة والشعبي، ورأي الجمهور أقوى .

وهنا يثار سؤال، هل تجب كفارة على من وطئ زوجته وهي حائض؟ هناك رأيان، رأي بقول بوجوب كفارة، بناء على حديث رواه أبو داود والنسائي أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال في ذلك ” يتصدَّق بدينار أو نصف دينار ” ورأي لا يقول بذلك، بناء على حديث رواه ابن ماجه ” من أتى كاهنًا فصدقه بما قال، أو أتى امرأة في دُبُرِها، أو أتى حائضًا فقد كفر بما أُنزل على محمد ” صلى الله عليه وسلم . حيث لم يذكر الحديث كفارة، ولأنه وطء نُهي عنه لأجل الأذى فأشبه الوطء في الدُّبر .

وعلى هذا الرأي أبو حنيفة ومالك وأكثر أهل العلم، والشافعي له قولان في ذلك .
وعلى القوْل بوجوب الكفارة هناك روايتان في مقدارها، رواية تقول: إنها دينار أو نصف دينار، وأخرى تقول: إن كان الدَّم أحمر أو في أوله فدينار وإن كان أصفر أو في آخره فنصف دينار .
ولو كان من فعل ذلك جاهلاً بالحكم أو ناسيًا هل تجب عليه؟ قيل تجب وذلك لعموم الخبر، وقيل لا تجب، لحديث ” رُفِعَ عن أمتي الخطأ والنسيان وما استُكرهوا عليه ” رواه ابن ماجه .
والمرأة المختارة المطاوعة قيل تجب عليها كفارة، وقيل لا تجب لعدم تناول النص لها .