تحدث العلماء عن الكفار هل هم مخاطبون بفروع الشريعة أم لا، واختلفوا في ذلك، وبِنَاءً على هذا الاختلاف، قالوا: إن المقيمين في البلاد الإسلامية يَلتزمون بالأحكام الشرعية، سواء كان المقيم مسلمًا أو ذميًّا، لأن تطبيق الأحكام الشرعية ممكن في البلاد الإسلامية فإذا سافَرَ المسلم أو الذميُّ إلى دار الحرب وحَدَثَتْ منه مخالفة لأحكام الشريعة، أو حدثت من شخص كان يقيم في دار الحرب ثم عاد بعد ذلك إلى دار الإسلام ، فلا تُطبَّق عليه أحكام الشريعة الإسلامية ، لأن القاضي المسلم لا تمتد ولايته إلى المحلِّ الذي ارتُكِبَتْ فيه الجريمة، ومن هنا نقل عن أبي حنيفة أنه أجاز للمسلم والذمي من أهل دار الإسلام إذا دخلا دار الحرب مستأمنين ـ أن يتعاقدوا بالربا مع الحَرْبِي أو المسلم من أهل دار الحرب الذي يهاجر إلى دار الإسلام، لأن أخذ الربا في هذه الحال يكون في معنى إتلاف المال بالرضا، وإتلاف مال الحربي برضاه مباح، لأنه لا عصمة لدمه ولا لماله، وقد نقل أبو يوسف عن أبي حنيفة قوله: إن وجوب الشرائع يعتمد على العلم بها، فمن لم يعلمها ولم تبلغه فإن هذا لم تقم عليه حجة حُكْمِيَّة.

وبهذا، إذا دخل المسلم أو الذمي دار حرب بأمان فتعاقد مع حربي على الربا أو على غيره من العقود الفاسدة في نظر الإسلام جاز عند أبي حنيفة ومحمد وقد أفتى بذلك الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتي الديار المصرية الأسبق ونشره في رسالته عن أحكام التأمين “السكورتاه” ص 7 مطبعة النيل بمصر سنة 1906م ونقله الشيخ جاد الحق على جاد الحق في كتابه “فتاوى معاصرة ص 86”.

هذا ما قاله أبو حنيفة، أما صاحبه أبو يوسف فقال: لا يجوز للمسلم في دار الحرب إلا ما يجوز له في دار الإسلام ، لأن حرمة الربا ثابتة في حق العاقدين، أما في حق المسلم فبإسلامه وأما في حق الحربي فلأن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة قال تعالى: (وأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) (سورة النساء : 161).

والأئمة الثلاثة قالوا: تُطبَّق أحكام الشريعة الإسلامية على كل من هو في دار الإسلام من المسلمين والذميين والمستأمَنين ، كما يُعاقَب المسلم والذمي على ما يرتكبانه في دار الحرب ولو كان الفعل مباحًا فيها كالربا والقمار، تنفيذًا لأحكام الشريعة.

وقد استظهر الشيخ جاد الحق علي جاد الحق أن الخلاف بين الفقهاء الحنفية إنما هو في إمكان توقيع العقوبة على التعامل المحرم إذا وقع من المسلم في دار الحرب، ومال إلى رأي جمهور الفقهاء من حرمة التعامل بالربا على المسلم أيًّا كان موقعه في دار الإسلام أو في دار الحرب، وذلك بمقتضى إسلامه، اللهم إذا كان مقترضًا لضرروة، أما أن يكون مُقْرِضًا فلا يَحِلُّ، لأنه لا ضرورة فيه.

وبهذا الفهم والتحليل يكون تصرف المسلم في دار لا يُحكَم فيها بالإسلام مساويًا لتصرفه في دار يُحكَم فيها بالإسلام، من جهة الحِلِّ والحرمة، أما القضاء الدنيوي المعتبر فيه ميدان تطبيقه فلا يغير من حكم الله شيئًا.