الصور المجسمة لكل ذي روح حرام وأشدها حرمة صور ما يعبد من دون الله، وما قصد به مضاهاة خلق الله، أما اللوحات الفنية فيحرم منها الصور التي يعظم أصحابها، وأما صور ما لا روح فيه فلا حرج في ذلك ما لم تشغل عن طاعة أو تؤد إلى ترف فتكره، أما الصور الفوتوغرافية فلا حرج فيها ما لم يشتمل موضوع الصورة على محرم، كتقديس صاحبها تقديسًا دينيًا، أو تعظيمه تعظيمًا دنيويًا.
يقول فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي:
نستطيع أن نجمل أحكام الصور والمصورين في الخلاصة التالية:
(أ) أشد أنواع الصور في الحرمة والإثم صور ما يعبد من دون الله، فهذه تؤدي بمصورها إلى الكفر إن كان عارفًا بذلك قاصداً له. والمجسم في هذه الصور أشد إثما ونكراً، وكل من روج هذه الصور أو عظمها بوجه من الوجوه داخل في هذا الإثم بقدر مشاركته.
(ب) ويليه في الإثم صور ما لا يعبد، ولكنه قصد مضاهاة خلق الله، أي ادعى أنه يبدع ويخلق كما يخلق الله، فهو بهذا يقارب الكفر. وهذا أمر يتعلق بنية المصور وحده.
(جـ) ودون ذلك الصور المجسمة لما لا يعبد، ولكنها مما يعظم كصور الملوك والقادة والزعماء وغيرهم الذين يزعمون تخليدهم بإقامة التماثيل لهم، ونصبها في الميادين ونحوها، ويستوي في ذلك أن يكون التمثال كاملاً أو نصفياً.
(د) ودونها الصور المجسمة لكل ذي روح مما لا يقدس ولا يعظم، فإنه متفق على حرمته، يستثنى من ذلك ما يمتهن، كلعب الأطفال، ومثلها ما يؤكل من تماثيل الحلوى.
(هـ) وبعدها الصور غير المجسمة -اللوحات الفنية- التي يُعظَّم أصحابها، كصور الحكام والزعماء وغيرهم، وخاصة إذا نصبت وعلقت، وتتأكد الحرمة إذا كان هؤلاء من الظلمة والفسقة والملحدين، فإن تعظيمهم هدم للإسلام.
(و) ودون ذلك أن تكون الصورة غير المجسمة لذي روح لا يعظم، ولكن تعد من مظاهر الترف والتنعم، كأن تستر بها الجدر ونحوها، فهذا من المكروهات فحسب.
(ز) أما صور غير ذي الروح من الشجر والنخيل والبحار والسفن والجبال والنجوم والسحب ونحوها من المناظر الطبيعية فلا جناح على من صورها أو اقتناها، ما لم تشغل عن طاعة أو تؤد إلى ترف فتكره.
(ح) وأما الصور الشمسية (الفوتوغرافية) فالأصل فيها الإباحة ما لم يشتمل موضوع الصورة على محرم، كتقديس صاحبها تقديسًا دينيًا، أو تعظيمه تعظيمًا دنيويًا، وخاصة إذا كان المعظم من أهل الكفر أو الفساق كالوثنيين والشيوعيين والفنانين المنحرفين.
وأخيرًا: فإن التماثيل والصور المحرمة أو المكروهة إذا شوهت أو امتهنت انتقلت من دائرة الحرمة والكراهة إلى دائرة الحل، كصور البسط التي تدوسها الأقدام والنعال ونحوها.
ومن المعلوم أن هناك بعض العلماء حاولوا أن يؤولوا الأحاديث الصحاح الواردة في تحريم التصوير واقتناء الصور ليقولوا بإباحة الصور كلها حتى المجسمة منها.
مثل ما حكاه أبو علي الفارسي في تفسيره عمن حمل كلمة “المصورين” في الحديث على من جعل لله صورة، يعني: المجسمة والمشبهة الذي شبهوا الله تعالى بخلقه، واعتبروه جسماً وصورة، وهو تعالى ليس كمثله شيء. ذكر هذا أبو علي الفارسي في كتابه “الحجة” وهو تكلف واعتساف لا تساعده الألفاظ الثابتة في الأحاديث.
ومثل من استند إلى ما أبيح لسليمان عليه السلام، وذكره القرآن في سور”سبأ“: (يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاء مِن مَّحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ)، ولم يقولوا بنسخه في شريعتنا. وهذا الرأي ذكره أبو جعفر النحاس، وحكاه بعده مكي في تفسيره “الهداية إلى بلوغ النهاية.
ومثل من حمل المنع على مجرد الكراهة، وأن هذا التشديد كان في ذلك الزمان لقرب عهد الناس بعبادة الأوثان، وقد تغير الحال في العصور التالية. (هذا مع أن الوثنية لا زال يدين بها آلاف الملايين).
وهذا قاله بعضهم من قبل، ورد عليهم الإمام ابن دقيق العيد بأن هذا القول باطل قطعاً؛ لأن هذا منافٍ للعلة التي ذكرها الشارع، وهى أنهم يضاهون أو يشبهون بخلق الله. قال: وهذه علة عامة مستقيمة مناسبة، لا تخص زمانًا دون زمان. وليس لنا أن نتصرف في النصوص المتظاهرة المتضافرة بمعنى خيالي.