روى البخاري وغيره عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ قال : لعن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المتشبِّهين من الرِّجال بالنّساء، والمُتشبِّهات من النِّساء بالرجال.
وروى أبو داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال: لعن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الرجل يلبَس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل.
وروى أحمد والطبراني أن عبد الله بن عمرو بن العاص ـ رضي الله عنه ـ رأى أم سعيد بنت أبي جهل متقلّدة سيفًا وهي تمشي مشية الرجال فقال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: “ليس منّا مَن تشبّهَ بالرجال من النساء، ولا من تَشبّهَ بالنساء من الرجال”.
يؤخذ من هذه الأحاديث تحريم تشبُّه أحد من الجنسين بالجنس الآخر، ومحلُّ الحُرمة إذا تحقّق أمران:
أولهما: أن يكون التشبُّه مقصودًا، بأن يتعمّد الرجل فعل ما يكون من شأن النّساء، وأن تتعمّد المرأة فعل ما يكون من شأن الرجال، فإن هذا القصد فيه تمييع للخصائص أو إضعاف لها، والواجب أن تكون خصائص كل جنس فيه قويّة، فذلك تقسيم الله لخلقه، وتنسيقه فيما أودع في كل منهما من خصائص لمصلحة المجموعة البشريّة، أما مجرّد التوافق بدون قصد وتعمد فلا حرجَ فيه، فالناس بأجناسها تتّفق في أمور مشتركة كاستعمال أدوات الأكل وركوب الطائرات وما إلى ذلك.
وهذا ما يَعنيه لفظ “تشبَّه ” ففيه عمل وقصد، أما إذا انتفى القصد فيكون تشابُهًا لا تشبُّهًا، ولا حرج في التشابه فيما لم يقصد.
والأمر الثاني : أن يكون التشبُّه في شيء هو من خصائص الجنس الآخر، والذي يحدد ذلك إما أن يكون هو الدين، وإما أن يكون هو الطبع نفسه، أي الجِبِلَّة التي خُلِق عليها الإنسان، وإما أن يكون هو العرف والعادة، وكثير من التشبُّه يكون في ذلك في أول الأمر، حيث يوجد القصد والتعمد والإعجاب، ثم بعد ذلك يصير شيئًا مألوفًا لا شذوذ فيه، ولا يُعدُّ تشبهًا مذمومًا.