إن توحيد الله عز وجل في ألوهيته يوجب على المسلم أن يعتقد اعتقادا جازما أن الأمور تجري بيد الله وحده، لا يشاركه إنس ولا جن ولا طير، فما كان وما هو كائن وما سيكون يجري بقدر الله، فعلى المرء أن يأخذ بالأسباب ويسعى و يفوض الأمر إلى الله ويتوكل عليه.
يقول فضيلة الدكتور محمد البهي –رحمه الله- عميد كلية أصول الدين الأسبق:
دُعِيَ المجتمع البشري على عهد الرسول ـ عليه السلام ـ إلى الإيمان بالله وحده وتَرْكِ الطِّيَرَةِ أو العِيافة؛ وهو زجْرُ الطير ومُشاورته، فكان الرجل إذا أراد سفرًا أو غيره خرَج إلى طير أو ظِباء، ويُطلق الواحد منها، فإن طار يَمينًا تيمَّن واستبشر، وإن طار شِمالاً تشاءم ورجَع. وذُكرتِ الطِّيَرة عند النبي ـ عليه السلام ـ فقال: “أحْسنُها الفأْلُ ولا تردُّ مُسلمًا” أي عن قصده “فإذا رأى أحدكم ما يَكره فليقل: اللهمَّ لا يأتي بالحسنات إلا أنت، ولا يَدْفع السيئاتِ إلا أنت، ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم”. فالمسلم يجب أن يتفاءل ولا يَنصرف عن قصده الذي قصَده بسبب تشاؤم من أمرٍ ما، وعليه أن يدعوَ اللهَ لإزالة الشرِّ الذي يُلِمُّ به.
وفي حديث عن عبد الله رضي الله عنه أنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: “الطِّيَرة” وهي استخدام الطير في معرفة المستقبل” شرْكٌ” ثلاثًا تَنْفِيرًا ممَّن يَعتقد أنها تُبعد الضرَّ وتجلب النفع “وما منا إلاَّ” أي ما منَّا أحدٌ إلا يَخْطِر ببالِه شيءٌ منها “ولكن الله يُذهبه بالتوكُّل”.
وكذلك دُعيَ المجتمع البشري إذ ذاك إلى ترْك استطلاع النجوم في تحديد المستقبل، ويُروَى عنه عليه السلام: “مَن اقتبَسَ عِلْمًا من النجوم” أي بادعاء أنها تُؤثر في الكون كنَجْمِ كذا يَجيئ بالأمطار ونجم كذا يأتي بالريح “اقْتبسَ شُعبَةً مِن السِّحْر، زاد ما زادَ”.
وإلى ترْك الهامَة، وهي طائرٌ إذا سقط في مكان تشاءَمَ أهله.
وإلى ترك الغُول، والغُول أحد الغِيلان، وهي نوع من الجن والشياطين ـ كما كان يعتقد الجاهليون قبل الإسلام ـ تظهر للناس بصُور شتَّى تُضلُّهم عن السبيلِ وتُهلكهم.
فربطُ مستقبل الإنسان في أفعاله وتصرفاته بحركة نوع من الطير في طيره، أو بحركة بعض النجوم، أو باعتقاد في خُرافة الجن والشياطين، أو بالصدْفة في سقوط طائر مُعين في مكان معين، كل ذلك وأمثاله كان ظاهرة اجتماعية سائدة في مجتمع الجاهلية قبل الإسلام، والحديث الصحيح هنا يَعتبِر الاعتقاد في هذه الظاهرة شِرْكًا “الطِّيَرَةُ شِرْكٌ” ثلاثًا، أي قالها ثلاث مرات.
فدعوة القرآن إلى وَحدة الألوهية دعوة إلى الاعتقاد بأن صاحب التصرُّف في الأمر، في دائرة الإنسان وفي الكوْن كله، واحدٌ لا شريك له، وهو الله ـ سبحانه وتعالى ـ فلا يُشاركه جِنٌّ ولا إِنْس ولا يُشاركه نجم ولا طير فيما يقع للإنسان في مستقبل حياته، وليست هناك صُدْفةٌ ولا حظٌّ وإنما هناك قضاء وقدَر مِن الله جلَّ جلالُه.
هناك الله والإنسان، فالله صاحب الفعل والأمر، ولا رادَّ لِمَا يفعله أو لِمَا يُريده، والإنسان بعمله وبتوكُّله على الله ـ جل شأنه ـ يجتاز الأزمات ويُحصِّل رزقه في الحياة (وآيةٌ لهمُ الأرضُ المَيْتَةُ أحْيَيْنَاها وأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فمِنْهُ يَأكلونَ. وجَعَلْنَا فِيهَا جناتٍ مِن نَخِيلٍ وأَعْنابٍ وفَجَّرْنَا فيها مِن العُيونِ. لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ ومَا عَمِلَتْهُ أيْدِيهم أفَلا يَشْكُرُونَ) (يس 33 ـ 35) فهذه الآيات تُضيف عمل الإنسان إلى إرادة الله في حصول الإنسان على رزقه في هذه الحياة الدنيا، وليس معهما شيءٌ آخرُ مِمَّا تُصوره الكِهانة أو الخُرافة في زمن من الأزمنة.
وقد ذكَر القرآن الكريم المُعوِّذتينِ، يَستعين الإنسان بقِراءتهما لدفْع القلَق النفسي أو لدفْع مَصادر الشرِّ خارج الإنسان فيمَا يُحيط به في حياته.
أما التوكُّل على الله فهو سنَدُ الإنسان المؤمن في المُعاونة على إنجاز ما يَعزم على إنجازه مِن أعمالٍ. والخرافة، والكهانة، والصدْفة والحظُّ، والتنجيم، وضرْب الحصَى لا مكان لها في حياة الإنسان مع الله وإرادة الإنسان نفسه. وعلى المسلم أن يَستعين بالمُعوِّذتينِ وبالتوكُّل على الله في إبعاد التشاؤم عن نفسه، ولْيَعُدْ إلى تفاؤله، فالتفاؤل هو ما طلبه الرسول ـ عليه السلام ـ عندما سُئل عن الطِّيَرة، وهي مصدر التشاؤم، إذ قال: “أحسَنُها الفأْلُ.