اتفق فقهاء المذاهب الثلاثة المالكية والشافعية والحنابلة على أن الخروج من الصلاة لا يكون إلا بالتسليم ، فمن خرج من الصلاة قبل التسليم بطلت صلاته ، وهذا بناء على أن التسليم ركن من أركان الصلاة ، والركن يتأتى بتسليمة واحدة ، والثانية سنة .

ولكن الحنفية يرون أن السلام في آخر الصلاة واجب يجبر بسجود السهو ، ولا تبطل الصلاة بتركه ، فيمكن الخروج من الصلاة بالتسليم أو بنقض الوضوء أو مجرد الانصراف بعد التشهد ، فمن فعل ذلك ناسيا فلا إثم عليه ويسجد للسهو ، وإن تعمد ترك التسليم صحت صلاته مع الإساءة .

والأولى بالمصلي أن يحرص على التسليم آخر صلاته، حتى تكون صحيحة بلا خلاف، ولكن إذا حدث ونسي التسليم، أو سبقه الحدث فلا حرج عليه وتكون صلاته صحيحة إن شاء الله تعالى.

جاء في فتاوى الأزهر :

الجمهور أخذ فرضية السلام من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفعله، فعن علي ـ رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” مفتاح الصلاة الطهور، وتحريمها التكبير، وتحليلها التسليم. رواه أحمد، والشافعي، وأبو داود، وابن ماجه، والترمذي. وقال: هذا أصح شيء في الباب وأحسن. وعن عامر بن سعد، عن أبيه، قال: كنت أرى النبي صلى الله عليه وسلم يسلم عن يمينه، وعن يساره، حتى يرى بياض خده. رواه أحمد، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه. وعن وائل بن حجر، قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان يسلم عن يمينه: “السلام عليكم، ورحمة الله وبركاته”. وعن شماله: “السلام عليكم، ورحمة الله وبركاته”. قال الحافظ ابن حجر في “بلوغ المرام”: رواه أبو داود، بإسناد صحيح.

وأما الحنفية فقد استدلوا على وجوبه وعدم فرضيته بحديث{ عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه عليه الصلاة والسلام قال له حين علمه التشهد : إذا قلت هذا أو قضيت هذا فقد قضيت صلاتك } . وعن عبد الله بن عمرو – رضي الله تعالى عنهما – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا أحدث الرجل وقد جلس في آخر صلاته قبل أن يسلم فقد جازت صلاته } . وعن علي – رضي الله تعالى عنهما – : { إذا قعد قدر التشهد ثم أحدث فقد تمت صلاته } وأما قوله صلى الله عليه وسلم : { تحريمها التكبير , وتحليلها التسليم } فإنه إن صح لا يفيد الفرضية ; لأنها لا تثبت بخبر الواحد , وإنما يفيد الوجوب . ثم إنه يجب مرتين , والواجب منه لفظ ” السلام ” فقط دون ” عليكم ” .

ويرى جمهور العلماء، أن التسليمة الأولى هي الفرض، وأن الثانية مستحبة، قال ابن المنذر: أجمع العلماء على أن صلاة من اقتصر على تسليمة واحدة، جائزة.

وقال ابن قدامة في “المغني”: وليس نص أحمد بصريح في وجوب التسليمتين، إنما قال: التسليمتان أصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيجوز أن يذهب إليه في المشروعية، لا الإيجاب، كما ذهب إلى ذلك غيره، وقد دل عليه قوله في رواية: وأحب إلي التسليمتان، ولأن عائشة، وسلمة بن الأكوع، وسهل بن سعد قد رووا، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسلم تسليمة واحدة، وكان المهاجرون يسلمون تسليمة واحدة. وفيما ذكرناه جمع بين الأخبار وأقوال الصحابة في أن يكون المشروع والمسنون تسليمتين، والواجب واحدة، وقد دل على صحة هذا الإجماع، الذي ذكره ابن المنذر، فلا معدل عنه.

وقال النووي: مذهب الشافعي، والجمهور من السلف والخلف، أنه يسن تسليمتان.

وقال مالك، وطائفة: إنما يسن تسليمة واحدة. وتعلقوا بأحاديث ضعيفة، لا تقاوم هذه الأحاديث الصحيحة، ولو ثبت شيء منها، حمل على أنه فعل ذلك، لبيان جواز الاقتصار على تسليمة واحدة.

وأجمع العلماء الذين يعتد بهم على أنه لا يجب إلا تسليمة واحدة، فإن سلم واحدة استحب له أن يسلمها تلقاء وجهه، وإن سلم تسليمتين، جعل الأولى عن يمينه، والثانية عن يساره، ويلتفت في كل تسليمة، حتى يرى من عن جانبه خده، هذا هو الصحيح.

إلى أن قال: ولو سلم التسليمتين عن يمينه، أو عن يساره، أو تلقاء وجهه، أو الأولى عن يساره، والثانية عن يمينه، صحت صلاته، وحصلت تسليمتان، ولكن فاتته الفضيلة في كيفيتهما.