اختلف الفقهاء في حكم الرتيب في غسل أعضاء الوضوء، فذهب بعضهم إلى وجوبه، وذهب بعضهم إلى أنه سنة مؤكدة.
ومن المهم التنبيه إليه أنه ليس معنى أن أمرا ما سنة مؤكدة أنه يتهاون به. بل على المسلم أن يكون شديد التحري عن السنة والتمسك بها.
غاية ما يترتب على ذلك أن من توضأ وضوءا منكسا فقد أساء إذا كان عامدا دون أن يبطل وضوؤه، وأما الناسي فلا شيء عليه.
من الفرائض المختلف فيها: الترتيب بين أعضاء الوضوء الأربعة المذكورة، فيغسل وجهه، ثم يديه إلى المرفقين، ثم يمسح رأسه، ثم يغسل رجليه إلى الكعبين، كما ذكر الله تعالى في كتابه.
هذا مذهب الشافعي والمشهور عن أحمد، وهو مروي عن عثمان وابن عباس من الصحابة، ورواية عن عليٍّ، رضي الله عنهم، وبه قال قتادة وأبو ثور وأبو عبيد وإسحاق بن راهويه.
وقال آخرون: لا يجب الترتيب، وحكاه البغوي عن أكثر العلماء. وحكاه ابن المنذر عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما، وبه قال سعيد بن المسيب والحسن وعطاء ومكحول والنخعي والزهري وربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة ومالك وأصحابهما والمزني وأبو داود. واختاره ابن المنذر.
احتج القائلون بوجوب الترتيب بدليلين: أولهما من القرآن والآخر من السنة.
الأول: أن آية الوضوء ذكرت ممسوحا بين مغسولات، وعادة العرب إذا ذكرت أشياء متجانسة، وأشياء غير متجانسة: جمعت المتجانسات على نسق، ثم عطفت غيرها عليها. لا يخالفون ذلك إلا لفائدة، فلو لم يكن الترتيب هنا واجبا، لما قطع النظير عن نظيره.
والثاني: أن الأحاديث الصحيحة المستفيضة عن جماعات من الصحابة في صفة وضوء النبي ﷺ، كلها وصفته مرتبا مع كثرة المواطن التي رأوه فيها. ولم يثبت مرة واحدة أنه ترك الترتيب، ولو جاز تركه، لتركه في بعض الأحوال لبيان الجواز، كما ترك التكرار في بعض الأوقات.
واحتج القائلون بعدم وجوب الترتيب بآية الوضوء نفسها بأن العطف فيها بـ (الواو) والواو لا تقتضي ترتيبا، فكيفما غسل المتوضئ أعضاءه كان ممتثلا للأمر، كما لو قال لخادمه: إذا دخلت السوق فاشتر خبزا وتمرا، لم يلزمه تقديم الخبز على التمر، بل كيف اشتراهما كان ممتثلا.
وكذلك لأن الوضوء طهارة، فلم يجب فيها ترتيب كالجنابة، وكتقديم اليمين على الشمال، والمرفق على الكعب.
ولأنه لو اغتسل المحدث دفعة واحدة: ارتفع حدثه.
والذي يترجح: أن الترتيب لا يوجد دليل على وجوبه، وإن كان المنطقي والطبيعي أن يتوضأ المسلم على الترتيب المذكور، بادئا بما بدأ الله تعالى به، ولذا كان سنة مؤكدة من غير شك.