من المعلوم أن الشريعة تدعو إلى الرحمة بالإنسان والحيوان والنبات والجماد، إلا إذا كان هناك سبب داع للقتل والإتلاف، فقتل النمل وغيره من الحشرات يجوز قتله إن كان يضر، سواء أكان الضرر واقعا على الإنسان، أو على ماله، فكل ما يعلم منه الضرر، جاز قتله، أما ما لم يكن منه ضرر، فيكره قتله.
ومن المعلوم عند علماء الحشرات أن النمل أنواع كثيرة، وهذا يؤيد وجه النظر التي تفرق بين النمل المؤذي وغير المؤذي.
وفي قتل النمل جاء حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله ﷺ: { نزل نبي من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة فأمر بجهازه فأخرج من تحتها وأمر بها فأحرقت في النار, قال فأوحى الله إليه فهلا نملة واحدة }, وفي رواية لهما فأوحى الله إليه { في أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح } ؟ وقال البخاري (أحرقت) .
قال الإمام النووي: قال العلماء هذا الحديث محمول على أن شرع ذلك النبي كان فيه جواز قتل النمل, وجواز الإحراق بالنار, ولم يعتب عليه في أصل القتل والإحراق بل في الزيادة على النملة الواحدة، وأما في شرعنا فلا يجوز الإحراق بالنار للحيوان إلا إذا أحرق إنسانا فمات بالإحراق فلوليه الاقتصاص بإحراق الجاني, وسواء في منع الإحراق بالنار القمل وغيره للحديث المشهور { لا يعذب بالنار إلا الله}.
وأما قتل النمل فمذهبنا أنه لا يجوز، واحتج أصحابنا فيه بحديث ابن عباس أن النبي ﷺ {نهى عن قتل أربع من الدواب النملة والنحلة والهدهد والصرد} رواه أبو داود بإسناد صحيح على شرط البخاري ومسلم.
وقال القاضي عياض: فيه دليل على قتل النمل وكل مؤذ لكن الله تعالى عتبه على التشفي لنفسه بقتله هذه الأمة العظيمة المسبحة بسبب واحدة، وقيل كان عتبه على ذلك بسبب ما جاء في خبر أنه مر بقرية أهلكها الله تعالى فقال يا رب قد كان فيهم صبيان ودواب، ومن لم يقترف ذنبا ثم أنه نزل تحت شجرة فجرت له هذه القصة التي قدرها الله تعالى على يده تنبيها له على ما سبق منه. وفيه أن الجنس المؤذي يقتل, وإن لم يؤذ, وتقتل أولادها, وإن لم تبلغ الأذى على أحد القولين ثم حكي عن الإمام الماوردي أنه قال يكره قتل النمل عندنا إلا أن يؤذي ولا يقدر على دفعهم إلا بالقتل فيستخف.
وقال أبو العباس القرطبي: ظاهر هذا الحديث أن هذا النبي إنما عاتبه الله تعالى حيث انتقم لنفسه بإهلاك جمع أذاه منه واحد. وكان الأولى به الصبر والصفح لكن وقع للنبي أن هذا النوع مؤذ لبني آدم, وحرمة بني آدم أعظم من حرمة غيره من الحيوان غير الناطق فلو انفرد له هذا النظر، ولم ينضم إليه التشفي الطبيعي لم يعاتب, والله أعلم، لكن لما انضاف التشفي الذي دل عليه سياق الحديث عوتب عليه، والذي يؤيد ما ذكرنا التمسك بأصل عصمة الأنبياء, وأنهم أعلم الناس بالله وبأحكامه وأشدهم له خشية.
واعلم أن هذا الذي أطلق النووي من أنه لا يجوز قتل النمل عندنا محله في النمل الكبير المعروف بالسليماني كذا قاله الخطابي والبغوي في أواخر شرح السنة قال البغوي. وأما الصغير المسمى بالنمل فاسمه الذر، وقتله جائز بغير الإحراق، وفي الاستقصاء عن الإيضاح للصيمري أن الذي يؤذي منه يجوز قتله بل يستحب، ونقل المحب الطبري شارح التنبيه عن الشافعي رحمه الله أنه أطلق كراهة قتل النمل، وهو يدل على كل حال على الجواز في الصغير فإنه إما عام أو خاص, وقد بوب أبو داود في سننه على هذا الحديث { قتل الذر }. فدل على أنه فهم أن قصة هذا النبي كانت في الذر فحينئذ يستوي حكمها عندنا، وفي شريعته .[انتهى نقلا عن طرح التثريب لعبد الرحيم العراقي الشافعي]
وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: كره الشارع قتل بعض الحشرات كالضفدع لما روى عبد الرحمن بن عثمان قال:{ ذكر طبيب عند رسول الله ﷺ دواء , وذكر الضفدع يجعل فيه, فنهى رسول الله ﷺ عن قتل الضفدع }.
وقال صاحب الآداب الشرعية: ظاهره التحريم.
وكره قتل النمل والنحل، لما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: {
نهى رسول الله ﷺ عن قتل أربع من الدواب: النملة، والنحلة، والهدهد، والصرد}. واستثنى الفقهاء النمل في حالة الأذية، فإنه حينئذ يجوز قتله.
وفصل المالكية، فأجازوا قتل النمل بشرطين: أن تؤذي، وأن لا يقدر على تركها، وكرهوه عند الإذاية مع القدرة على تركها، ومنعوه عند عدم الإذاية، ولا فرق عندهم في ذلك بين أن تكون الإذاية في البدن أو المال.
وقد ذهب الحنفية والمالكية إلى جواز قتل الحشرات، لكن المالكية شرطوا لجواز قتل الحشرات المؤذية أن يقصد القاتل بالقتل دفع الإيذاء لا العبث، وإلا منع حتى الفواسق الخمس التي يباح قتلها في الحل والحرم.
وقسم الشافعية الحشرات إلى ثلاثة أقسام :
الأول: ما هو مؤذ منها طبعا، فيندب قتله كالفواسق الخمس، لحديث عائشة قالت: { أمر الرسول ﷺ بقتل خمس فواسق في الحرم: الحدأة، والغراب، والفأرة، والعقرب، والكلب العقور } وألحق بها البرغوث والبق والزنبور، وكل مؤذ.
الثاني: ما ينفع ويضر فلا يسن قتله ولا يكره .
الثالث: ما لا يظهر فيه نفع ولا ضرر كالخنافس، والجعلان، والسرطان فيكره قتله. ويحرم عندهم قتل النمل السليماني، والنحل والضفدع، أما غير السليماني، وهو الصغير المسمى بالذر، فيجوز قتله بغير الإحراق، وكذا بالإحراق إن تعين طريقا لدفعه.
وذهب الحنابلة إلى استحباب قتل كل ما كان طبعه الأذى من الحشرات، وإن لم يوجد منه أذى قياسا على الفواسق الخمس، فيستحب عندهم قتل الحشرات المؤذية كالحية، والعقرب، والزنبور، والبق، والبعوض، والبراغيث، وأما ما لا يؤذي بطبعه كالديدان، فقيل: يجوز قتله، وقيل: يكره، وقيل: يحرم. وقد نصوا على كراهة قتل النمل إلا من أذية شديدة، فإنه يجوز قتلهن، وكذا القمل.