يرى فضيلة الشيخ جاد الحق علي جاد الحق ـ شيخ الأزهر السابق رحمه الله ـ في فتوى له في نفس موضوع السائل أن موضوع التحكيم في عقد المضاربة جائز ، وهو ملزم لطرفي النزاع، كما أنه يجوز للطرف المتضرر من الحكم اللجوء إلى المحكمة لتفصل في هذا النزاع وإليك نص الفتوى بالتفصيل

التحكيم لغةً مصدر: حكَّمَه في الأمر والشّيء أيْ جعله حَكَمًا وفوَّض الحُكم إليه، وهو مشروع في الإسلام، ولقد أشار القرآن الكريم إلى جوازه بقوله ـ تعالى ـ في سورة النساء: (فَلاَ ورَبِّكَ لاَ يُؤمِنونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ..)
ومن معاني التحكيم في اللُّغة الحكم.

وفي الاصطلاح التحكيم: تَولية الخَصْمَين حَكَمًا يحكم بينهما.
ويدلُّ على هذا قول الله ـ سبحانه ـ في سورة النساء: (وإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهُمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا)

مشروعية التحكيم في الفقه الإسلامي

في السُّنّة النبويّة ما يدلُّ على مشروعيّة التحكيم وجوازه، فقد رَضِيَ رسول الله ـ ـ بتحكيم سعد بن معاذ، رضى الله عنه، في أمر اليهود حين جنَحوا إلى ذلك ورَضُوا بالنزول على حكمه كما جاء في البخاري. ومقتضَى فقه مذاهب الأئمة الأربعة جواز التحكيم في النِّزاع في شأن الأموال.

ومتى أصدر الحَكَم حُكْمَه صار الحكم مُلزِمًا لأطراف النزاع وتعيَّن إنفاذه دون توقُّف على رضا الخَصْمين، وقد جرَت بذلك أقوال فقهاء المذاهب، وقالوا: إن حكم المُحَكَّم كحكم القاضي متى استوفى شرائطه.

وهذا الإلزام الذي يتَّصف به حُكم المحكَّم ينحصر في الخَصمين فقط ولا يتعدَّى إلى غيرهما؛ ذلك لأنّه صدر بحقهما عن ولاية شرعية خاصّة نشأت عن اختيارهما الحَكَم المُحَكَّم في النزاع فيما بينهما.

وتُجيز نصوص الفقه لمَن لم يَرضَ بالحكم من الخَصمين أن يرفع الأمر إلى القضاء، وللقضاء أن يُقِرَّ حُكم المحكَّم، أو نقضه في نِطاق الأحكام الصحيحة تمامًا كما يطعن على حكم القضاء أمام الدرجة الثانية، ولم يختلف أحد في هذا من الفقهاء.

لمّا كان ذلك نقول إنّه يحِقِّ لأيٍّ من أرباب المال في المضاربة والمضارب الالتجاء إلى القضاء بالطرق المقرَّرة في القانون، وحسب قواعد الاختصاص النوعيّ والمكانيّ أو حسَب الاتفاق إن كان، ولكل من الطَّرفين تبادُل الدِّفاع بالإجراءات القانونيّة.

عقد المضاربة وحق التصرف

لا يَحِقُّ لأيٍّ من أرباب المال أو المضارب التصرُّف في شيء من أموال المضاربة، أو القَرض الحسَن إلا بعد الوفاء بديون الغير على أموال المضاربة، ومن هذه الديون نفقات المضارب، ويستوي في هذا أن يكون في المضاربة شرط نصٍّ بهذا المعنى أو لم يكن.

كما أنّه متى طرأ نزاع بين أطراف المضارَبة كان لمَن شاء منهم عرض النزاع على القضاء أو بالتحكيم إذا اشترط ذلك، وكان له سلوك كل الطُّرق القانونية، ومنها طلب تصفية المضاربة وتعيين مُصَفٍّ قانوني لها، ما لم يحدِّد صك المضاربة طريقًا أو طرقًا محددة؛ لأنَّ المسلمين عند شروطهم إلا شرطًا أحلَّ حرامًا أو حرَّم حلالاً، كما ورد عن رسول الله .

كما أن ثبوت هذا يقتضي الالتجاء إلى القضاء الذي يدقق في واقعات النزاع ويستظهِر الأدلّة ويُطبِّق القاعدة الشرعية التى هي نصُّ حديث شريف: “لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ”
ولكنْ ليس لأحد الطرفين أن يكون خَصْمًا وحكمًا في وقت واحد.

و الأصل في الالتجاء إلى التحكيم هو التراضي بين الخُصوم على مبدأ التحكيم، ثُمَّ على اختيار المحكَّمين أو المُحكَّم، أو التفويض إلى طرف آخر في اختيار الحكم.