يقول الدكتور حسام الدين بن موسى عفانة – أستاذ الفقه وأصوله- جامعة القدس
يجب أن يعلم أولاً أن تعلم اللغات الأخرى أمر لا بد منه وخاصة اللغات الحية كالإنجليزية ، وقد ورد عن النبي أنه طلب من بعض الصحابة أن يتعلموا بعض اللغات .
ونص العلماء على جواز ذلك وخاصة في زماننا حيث إن اللغة الإنجليزية هي لغة العلوم والتقدم في مختلف مجالات الحياة .
ولكن يجب أن يعلم أن تعلم اللغات الأخرى لا يجوز أن يكون على حساب لغتنا الأصلية اللغة العربية ، ومن المؤسف جداً أن بعض الناس يتفاخرون بأنهم يدرسون أبنائهم اللغات الأجنبية في المدارس الأجنبية مع تقصيرهم الشديد في تعليمهم اللغة العربية.

إن اللغة العربية هي لغة القرآن الكريم ولغة رسوله .

قال تعالى :( إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا ) سورة يوسف الآية 2.

وقال تعالى :( بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) سورة الشعراء الآية 195.

وقال تعالى :( لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ) سورة النحل 103 .

والمسلم مطلوب منه أن يتعلم اللغة العربية وأن يعلمها أبناءه وأن يتحدث بها وقد كره العلماء أن يخلط الإنسان في كلامه بين العربية وغيرها من اللغات فقد ورد عن عمررضي الله عنه قال :[ تعلموا العربية فإنها تزيد في العقل والمروءة ].
وكتب عمر إلى أبي موسى الأشعري :[ أن ُمر من قبلك بتعلم العربية فإنها تدل على صواب الكلام ومرهم برواية الشعر فإنه يدل على معالي الأخلاق ].
وورد عن عمر رضي الله عنه :[ أنه مرَّ عـلـى قوم يقرئ بعضهم بعضاً فقال : اقرأوا ولا تلحنوا ].
وورد عنه أنه قال :[ عليكم بالفقه في الدين والتفهم في العربية وحسن العباره ].
وورد عنه أنه قال :[ لا تعلموا رطانة الأعاجم ] والمقصود التحدث باللغة العربية الركيكة والحروف غير الواضحة .
وسئل الحسن البصري :[ ما تقول في قوم يتعلمون العربية ؟ فقال : أحسنوا ، يتعلمون لغة نبيهم ].
وقال ابن شهاب الزهري :[ ما أحدث الناس مروءة أعجب من تعلم الفصاحة ] انظر الصقعة الغضبية ص 243 -250 .
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية عن الشافعي قوله :[ سمى الله الطالبين من فضله في الشراء والبيع تجاراً ولم تزل العرب تسميهم التجار ثم سماهم رسول الله بما سمى الله به من التجارة بلسان العرب والسماسرة اسم من أسماء العجم فلا نحب أن يسمى رجل يعرف العربية تاجراً إلا تاجراً ولا ينطق بالعربية فيسمي شيئاً بالعجمية وذلك أن اللسان الذي اختاره الله عز وجل لسان العرب فأنزل به كتابه العزيز وجعله لسان خاتم أنبيائه .
ولهذا نقول ينبغي لكل واحد يقدر على تعلم العربية أن يتعلمها لأنها اللسان الأولى مرغوباً فيه من غير أن يحرم على أحد أن يـنطق بالعجمية ] اقتضاء الصراط المستقيم ص 204 .
وبين شيخ الإسلام ابن تيمية أنه يكره تعود الرجل النطق بغير العربية فإن اللسان العربي شعار الإسلام وأهله واللغات من أعظم شعائر الأمم التي بها يتميزون . المصدر السابق ص 203 .
وقال شيخ الإسلام :[ وأما اعتياد الخطاب بغير العربية التي هي شعار الإسلام ولغة القرآن حتى يصير ذلك عادة للمصر وأهله ولأهل الدار وللرجل مع صاحبه ولأهل السوق أو للأمراء أو لأهل الديوان أو لأهل الفقه فلا ريب أن هذا مكروه فإنه من التشبه بالأعاجم وهو مكروه ] الاقتضاء ص 206 .
وقال ابن تيمية أيضاً :[ وما زال السلف يكرهون تغيير شعائر العرب حتى في المعاملات وهو – التكلم بغير العربية – إلا لحاجة كما نص على ذلك مالك والشافعي وأحمد بل قال مالك : من تكلم في مسجدنا بغير العربية أخرج منه ] مجموع الفتاوى 32/255 .
وهذا الذي ذكره الشافعي وشيخ الإسلام من كراهة الحديث بغير العربية قال به كثير من أهل العلم من الأئمة والصحابة والتابعين وغيرهم .
وقال حرب الكرماني – من أصحاب الإمام أحـمـد – :[ بـاب تسـميـة الـشهور بالفارسية ، قلت لأحمد : فإن للفرس أياماً وشهوراً يسمونها بأسماء لا تعرف ؟ فكره ذلك أشد الكراهة ! ] اقتضاء الصراط المستقيم ص 202 ، الآداب الشرعية لابن مفلح 3/432-433 .

واللغة العربية التي وسعت القرآن الكريم وسنة رسول الله ووسعت شعر العرب وأدبهم قادرة على أن تسع أسماء المخترعات الجديدة والعلوم الحديثة فلا يظنن أحد أن اللغة العربية عاجزة وإنما العجز في الناطقين بها .
قال الإمام الشافعي :[ ولسان العرب أوسـع الألـسنة مذهبـاً وأكثر ألفاظاً ] الرسالة ص 42 .
وقال الشافعي منبهاً إلى فضل العربية :[ وأولى الناس بالفضل في اللسان من لسانه لسان النبي ولا يجوز والله أعلم أن يكون أهل لسانه أتباعاً لأهل لسان غير لسانه في حرف واحد بل كل لسان تبع للسانه وكل أهل دين قبله فعليهم اتباع دينه وقد بين الله ذلك في غير آية من كتابه قال الله تعالى :( وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ) ، وقال تعالى : ( وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْمًا عَرَبِيًّا ) وقال تعالى :( وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا) وقال تعالى :( حم وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) ، وقال تعالى :( قُرْءَانًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) … الخ ] الرسالة ص 46-47 .
وصدق حافظ إبراهيم شاعر النيل عندما قال مدافعاً عن اللغة العربية :
رجعت لـنـفسـي فـاتـهـمـت حصـاتـي
وناديت قومي فاحتسـبت حياتي
رموني بعقم في الشباب ولـيـتـنـي
عـقـمـت فـلـم أجـزع لـقـول عداتي
ولــدت ولـمــا لــم أجـد لـعـرائـسـي
رجــالـــاً وأكــفـــاءً وأدت ـــــنــاتـي
وسـعـت كـتـاب الـلـه لـفـظـاً وغــايــةً
وما ضــقــت عــن آيٍ بـه وعـظات
فكيف أضيق اليوم عن وصف آلة
وتــنـسـيــق أســمــاء لـمخــتـرعـات
أنا البحر في أحـشـائـه الـدر كـامـن
فهل سألوا الغواص عن صدفاتي .