هذه المعاملة يَنتفع بها كلٌّ من البائع والمشتري؛ لأن البائع وافق عليها من أجل انتفاعه بالزيادة في الثمن، والمشتري رضِيَ بهذه الزيادة من أجل إمْهاله؛ لأنه عاجز عن دفع الثمن حالاً. وهي بيع وليست قرضًا بفائدة، ولم يزل المسلمون يتعاملون بهذه الصورة، لم يُنكِر عليهم أحد، فكان ذلك كالإجْماع منْهم على جوازها، ويَشهد لها ما ثبَت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أنه أمر عبد الله بن عمرو بن العاص أن يُجهِّز جيشًا، فكان يشتري البعير ببعيرين إلى أجل .

وهي أيضا كالسَّلَم، وصورته أن يأتي رجل محتاج إلى نقود فيبيع لآخر إردبًّا من القمح مثلاً يُسلِّمه إليه في وقت الحصاد، فيَقْبض ثمنًا أقلَّ من ثمن القمح عند تَسليمه إليه، وذلك لحاجته، فالقمح في هذه الصورة له سِعْران،: سعرٌ عند التعاقد على الصفْقة، وسعرٌ عند تسليمها إليه، وقد رضِيَ الطرَفان بذلك. والسَّلَم مشروع بالإجماع لحاجة الناس إليه، فهذه الصورة تُشبهُه في كوْن أحد العِوَضَين ( الثَّمن والسِّلعة ) مُعجَّلاً والآخر مُؤجَّلاً .

والأصل في الشرع حِلُّ جميع المعاملات إلا ما قام الدليل على منعه، ولا يوجد ذلك الدليل، وسواء في هذا الحُكم من يشتري السلعة لاستعمالها أو لبيعها لشخص آخر بثمن أغلى أو أقل، فقد يكون مُحتاجًا إليه، وإنما الممنوع أن يبيعها لمن اشتراها منه بثمن أقلَّ مما اتَّفقا عليه، ليتسلمه حالاً ثم يُسدد الثمن الذي في ذمَّته في موعده، وهو أكثر مما قبضه من صاحب السلعة؛ لأن هذه الصورة حيلة من حِيَل الربا، حيث أخذ مبلغًا يسدده آجلاً بأكثر منه .

وقد ورد فيها من حديث عائشة وابن عمر ما يدل على منعها .
هذا، وقد روى أحمد بن حنبل عن عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ قال: نهى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن صفْقتين في صفقة، قال سمَّاك ـ أحد رجال السند ـ هو الرجل يبيع البيع فيقول: هو بنَسَأٍ كَذا، وهو بنقْد كذا، وفَسَّر الشافعي ذلك بأن يقول: بِعْتك بألفٍ نقدًا، أو ألفين إلى سنة، فخذ أيَّهما شئت أنت وشئت أنا، ونَقل ابن الرَّفْعة عن القاضي أن المسألة مفروضة على أنه قَبِل على الإبْهام، أمَّا لو قال: قَبِلت بألفٍ نقدًا أو بألفين بالنَّسِيئة صح ذلك .

يعني أن التاجر عرض السلعة بسعرها الحاضر وعرضها بسعرها الآجل، فتعاقد الطرفان على السعر الآجل، فلا مانع من ذلك .

ويستوي في هذه المسألة ما إذا كان دفع الثمن مرة واحدة عند حلول الأجل، أو كان دفعه على أقساط، وإنما الممنوع أن يُنص في العقد على أن التأجيل بفائدة كذا، فإن الفائدة المشروطة تَجعل هذه المعاملة من قَبيل الربا، وقد أَشْبع الكلام في هذه المسألة الإمام الشوكاني في رسالة سمَّاها ” شفاء الغليل في حكم زيادة الثمن لمجرد التأجيل ( نيل الأوطار ج 5 ص 161 ) أو ” شفاء العلل في حكم الزيادة في الثمن لمجرد الأجل ” كما جاء في ترجمته في الجزء الأول ص 7 .