نعم يجوز ذلك مالم تكن مقاطعة هذا الرجل مفيدة ، وبيان ذلك أن المال المحرم نوعان:
-نوع محرم لحق الله تعالى.
-ونوع محرم لحق المخلوق.
فالمحرم لحق المخلوق هو ما أخذ بغير طيب نفس منه، كما في السرقة والغصب والغلول ونحو ذلك.
وأما المحرم لحق الله تعالى، فهو كالربا والميسر، وهو محرم لما فيه من الضرر على صاحبه، وإن كان يتعامل به برضاه، فهو في الحقيقة ظالم لنفسه.
أقسام المحرم لحق الله تعالى؟
المحرم لحق الله تعالى قسمان:
1-قسم محرم لكسبه، كالربا والميسر، فالنقود ليست محرمة في نفسها وإنما يحرم كسبها أو بذلها بالربا والقمار.
2-وقسم محرم لعينه، كالخمر والخنزير والمخدرات، فهذه خبيثة في نفسها بغض النظر عن طريقة كسبها.
ما هو نوع التحريم في المال الحرام؟
من كان ماله حراماً، فينظر في نوع التحريم:
-فإن كان التحريم لحق الله تعالى مما حرم لكسبه لا لعينه، كالربا والقمار، فوزر المحرم على صاحبه بينه وبين الله، لأن التحريم هنا لحق الله تعالى، ولا يتحمل منه من يتعامل معه شيئاً إذا كان التعامل صحيحاً نفسه، لعموم قوله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر أخرى). ولذلك تعامل النبي ﷺ مع اليهود مع أكلهم الربا، ورضي عمر رضي الله عنه أن يأخذ الجزية من أهل الكتاب من ثمن الخمر، كما صح ذلك عنه، وإنما يحرم التعامل مع هؤلاء إذا كانت مصلحة الهجر أكبر من مصلحة التعامل، أما إذا لم يكن الهجر مفيداً وكانت مصلحة التعامل راجحة، قدمت المصلحة الراجحة.
-وإن كان المال محرماً لعينه، كالخمر والخنزير، فلا إشكال أنه لا يجوز أخذه ولا الانتفاع به، بل يجب إتلافه لغلبة المفسدة عليه، وأما ثمن الخمر فهو محرم لكسبه لا لعينه، فيجوز أخذه على وجه صحيح كما فعل عمر رضي الله عنه مع أهل الكتاب.
-وإن كان المحرم لحق المخلوق، كالمال المأخوذ بالسرقة والغصب ونحوه، فإن علم أن هذا المال بعينه هو المغصوب أو المسروق فلا يجوز أخذه والانتفاع به، لأنه مأخوذ من صاحبه ظلماً بغير حق وبغير رضاه، وحقوق العباد مبنية على المشاحة، بخلاف حقوق الله تعالى المبنية على المسامحة، ولهذا لم يقبل النبي ﷺ المال الذي أتى به المغيرة بن شعبة رضي الله حين أسلم، لأنه كان قد غصبه قبل إسلامه، وإن لم يعلم عين المال المغصوب أو المسروق، أو اختلط المال المغصوب بغيره، كانت العبرة للغالب.
والحاصل:
-أن من كان يتعامل بالربا فوزره عليه، ولا يأثم من يتعامل معه إذا كان تعامله هذا صحيحاً في نفسه.
-لكن إن كان في التعامل معه إعانة له على أكل الحرام، ولم تكن مصلحة التعامل ترجح هذه المفسدة، لم يجز التعامل معه.
-أما إذا كانت مصلحة التعامل أكبر، وليس في ترك التعامل مع صاحب المال الحرام ما يردعه عن المحرم، قدمت المصلحة الراجحة على المفسدة المرجوحة، كما هو شأن الشريعة المطهرة في تفويت أدنى المصلحتين تحصيلاً لأعلاهما، وارتكاب أدنى المفسدتين اجتناباً لأعظمهما.