جاء في تفسير القرطبي ، أن الحكيم الترمذي ذكر في “نوادر الأصول” أن النبي ـ ﷺ ـ قال : ” قُصُّوا أظافِيرَكم ، وادفنوا قُلاماتكم ، ونَقُّوا بَراجمكم ، ونظفوا لِثاتكم من الطعام ، وتَسَنَّنُوا ولا تَدخلوا عَلَىَّ فُخْرًا بُخْرًا
والمحفوظ ـ كما في تفسير القرطبي قُحْلاً وقُلْحا. والقُحْلُ جمع أقلح وهو الذي اصْفَرَّتْ أسنانه حتى بَخِرَتْ وأَنْتَنَتْ رائحتها والتسنُّنُ تنظيف الأسنان بالسواك . ثم تكلم عليه فأحسن .
وفي شرحه لدفن القلامات قال : إن جسد المؤمن ذو حرمة، فما سقط منه وزال عنه فحفظه من الحرمة قائم ، فَيَحِقُّ عليه أن يدفنه ، كما أنه لو مات دُفِنَ ، فإذا مات بعضه فكذلك أيضًا تقام حرمته بدفنه ، كيلا يتفرق ولا يقع في النار أو في مزابل قذرة، وقد أمر رسول الله ـ ﷺ ـ بدفن دمه حيث احتجم كيلا تبحث عنه الكلاب .
ثم ذكر حديثًا عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن رسول الله ـ ﷺ ـ كان يأمر بدفن سبعة أشياء من الإنسان : الشعر والظفر والدم والحَيْضة والسِّنَّ والقُلفة والمشيمة . ولم يذكر سَنَدُ هذا الحديث حتى يمكن الاستشهاد به .
وقد تحدث العلماء عن دفن الشعر والظفر والدم فقالوا : إنه سُنَّةٌ، وجاء في كتاب “غذاء الألباب للسفاريني” عن “الإقناع” أن الخلال رَوَى بإسناده عن مِثل بنت مِشرَح الأشعرية قالت: رأيت أبي يقلم أظفاره ويدفنها ويقول: رأيت النبي ـ ﷺ ـ يفعل ذلك. وعن ابن جريج عن النبي ـ ﷺ ـ كان يعجبه دفن الدم.
وقال مُهَنَّا : سألت أحمد ابن حنبل عن الرجل يأخذ من شعره وأظفاره أيدفنه أم يُلقيه ؟ قال : يدفنه . قلت: بَلَغَكَ فيه شيء ؟ قال : كان ابن عمر يفعله .
فدَفْنُ فضلات الإنسان سنة لتكريم الإنسان بتكريم أجزائه ، وللنظافة بمُواراتها وعدم التلوث بها ، وصَوْنًا لها عن استخدامها فيما يضر كما كان يفعله المشتغلون بالسحر واستخدام آثار الإنسان في ذلك .
وقد ذكر ابن حجر في أَخْذِ معاوية لقَصَّةِ الشعر أنَّ دفنها ليس بواجب.
لكن لو لم تُدفن هذه الأشياء فلا يعاقب عليها ، لأن المكروه وهو مقابل السنة لا عقاب عليه .
ومحل ذلك ما ذكر إذا لم تكن هناك فائدة تُرجى من وراء هذه الفضلات. وبفضل التقدم العلمي أمكن الانتفاع بهذه الفضلات، وهذا أولى من إهدارها، وكما يقال: إذا وُجِدَتِ المصلحة فَثَمَّ شَرْعُ الله، وذلك فيما لم يَرِدُ فيه نَصٌّ قاطع ولم يعارض حكمًا مقررًا. ولذلك نرى أنه لا مانع من استغلال هذه الفضلات في المنفعة.