من تمام العبودية تفويض الأمر لله ،وعدم اليأس من رحمة الله ،وأن من ابتلي بشيء ثم صبر أثابه الله ، وفرج كربه ،وأزال همه،وأثابه عليه في الدنيا والآخرة.

والاكتئاب لا يمنع من ممارسة العبد الشرائع والعبادات ،بل يكون حافزا له على طاعة الله تعالى ، فكما أن أمن مكر الله غير مرغوب فيه ، فإن القنوط واليأس من رحمة الله غير مرغوب فيه.

الأصل أن الإحساس بالذنب أمر محمود، لأنه سيكون حاملا على المبالغة في التوبة، والإكثار من الحسنات ، والله جل وعلا يحب التوابين.

لكن هذا الإحساس ينبغي أن يظل في طور الاعتدال، حتى لا يكون مدخلا من مداخل الشيطان إلى نفس العبد ، فيحمله على القنوط من رحمة الله، والله جل وعلا يقول: {ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون} ويقول جل وعلا على لسان يعقوب: { يا بني لا تيأسوا من روح الله ، إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}.

ولا شك أن من جعله الاكتئاب يصل إلى الإحساس الذي يحمله على ترك قراءة القرآن هذا يكون شاهدا على أن الإحساس المبالغ فيه غير محمود، ويجب على من وصل به الإحساس إلى هذه المرحلة أن يستحضر الآيات والأحاديث الدالة على سعة مغفرة الله، ومن أصرح هذه الآيات قول الله جل وعلا: { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}.

وقد ثبت في الحديث الصحيح: أن رجلا قتل تسعة وتسعين نفسا، ثم ذهب إلى راهب فسأله: هل له من توبة؟ فأخبره: أنه لا توبة له، فقتله فأكمل به مائة ، ثم ذهب إلى عالم فسأله ،فقال : ومن يحول بينك وبين التوبة؟ إلى آخر الحديث، وفيه أن الله جل وعلا غفر لهذا الرجل على ما وقع منه من ذنوب هي من أكبر كبائر الذنوب، فعلى العبد دائما أن يستحضر سعة رحمة الله، وأن يعلم أن الله جل وعلا لا يغفر سيئات التائبين فقط ، بل يغفرها ويبدلها إلى حسنات، فضلا منه ورحمة.

والحاصل: أن أهل العلم قد نصوا على أن القانط من رحمة الله والآمن لمكر الله سواء، فكلاهما على خطر عظيم، فيجب على العبد أن لا يأمن مكر الله ، وأن لا يقنط من رحمة الله، وقد قال بعض أهل العلم:

وأمن مكر الله والقنوط كلاهما بسخطه منوط .