الاعتكاف هو لزومُ المسجد والإقامةُ على طاعة الله ـ تعالى ـ فيه، وهو سنة مؤكدة ، وأفضل وقته في العشر الأواخر من رمضان لطلب ليلة القدر وإحيائها، وليس للمعتكف أن يخرج من مُعتَكَفه إلا لما لا بد له منه، ويستحب له أن يتشاغل بالصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله، ويَتجنب الجدال والمراء والفحش والسباب، ويبطل بالردة والسكر والجماع.
يقول أ. د عبد الفتاح إدريس :
فضل الاعتكاف :
لا خلاف بين الفقهاء على أن الاعتكاف سنة في كل وقت، سواء كان في رمضانَ أو غيره، إلا أنه في العشر الأواخر من رمضان أفضلُ منه في غيرها؛ وذلك لطلب ليلة القدر وإحيائها بالصلاة والقراءة وكثرة الدعاء، وقد رُوي عن
عائشة رضي الله عنها أن النبي ـ
ﷺ ـ كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل، ثم اعتكف أزواجه من بعده، وورد في فضل الاعتكاف أحاديثُ كثيرةٌ عن عليٍّ وابن عباس وغيرهما.
ولا يصح اعتكاف الرجل إلا في مسجد تقام فيه الجماعة؛ لوجوب أدائه الصلاةَ في جماعة المسجد، واعتكافُه في مسجد لا تقام فيه الجماعة قد يُفضي إلى ترك الجماعة الواجبة أو الخروج من المعتكف إلى حيث تُقام، وتكرارُ الخروج منه منافٍ للاعتكاف الذي هو لزومُ المعتَكَف والإقامةُ على طاعة الله ـ تعالى ـ فيه.
اعتكاف المرأة :
وللمرأة أن تعتكف في كل مسجد وإن لم يكن جامعًا، وهذا هو مشهور مذهب
المالكية والشافعية ومذهب الحنابلة والظاهرية، وحكاه النوويّ مذهبًا لجمهور الفقهاء، إلا أنها ليس لها أن تعتكف إلا بإذن زوجها إن كانت ذات زوج. ويستحب لها أن تستتر بشيء؛ لأن نساء النبي ـ
ﷺ ـ قد فَعَلنَه لمّا أرَدْنَ الاعتكافَ، ولأن المسجد يحضره الرجال، وخير للمرأة والرجل الأجنبيّ عنها ألاّ يراها ولا تراه، فإذا ضرَبَت المرأة عليها ساترًا فينبغي أن تجعله في مكان لا يصلي فيه الرجال؛ حتى لا تقطع صفوفهم وتضيق عليهم.
وجواز اعتكاف المرأة في المسجد يدل عليه حديث رَوَته عَمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله ـ ﷺ ـ ذكر أن يعتكف الشعر الأواخر من رمضان، فاستأذنته عائشة فأذن لها، وسألت حفصةُ عائشةَ أن تستأذن لها ففعلت، فلما رأت ذلك زينب بنت جحش أمَرَت ببناءٍ فبُنيَ لها، قالت: وكان رسول الله ـ ﷺ ـ إذا صلى انصرف إلى بنائه، فبصُر بالأبنية فقال: “ما هذا؟” قالوا: بناء عائشة وحصفة وزينب. فقال رسول الله ﷺ: “آلْبِرَّ أرَدنَ بهذا، ما أنا بمعتكف” فرجَع، فلما أفطَرَ اعتكَفَ عشرًا من شوال. فكره ـ ﷺ ـ اعتكافهنَّ في تلك الحال حيث كثرت أبنيتهنَّ، لما رأى من منافستهنَّ، فخشى عليهنَّ من فساد نيتهنَّ وسوء المقصد به، ولذلك ترك الاعتكاف لظنه أنهنَّ يَتنافَسنَ في أن يَكُنَّ معه.
آداب الاعتكاف :
وليس للمعتكف أن يخرج من مُعتَكَفه إلا لما لا بد له منه، فقد رُوي عن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: السنة للمعتكف ألاّ يخرج إلا لما لابد له منه. وقالت: كان رسول الله ـ ﷺ ـ إذا اعتكف يُدني إليَّ رأسه فأُرَجِّلُه، وكان لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان. فكل ما لا يمكن فعله في المسجد فللمعتكف الخروجُ إليه، ولا يفسُد اعتكافُه، ما لم يَطُل الخروج. وإذا وقعت فتنة خاف منها على نفسه إن قعد في المسجد، أو خاف على ماله نهبًا أو حريقًا فله ترك الاعتكاف والخروج. وكذا إذا تعذر عليه المقام في المسجد لمرض لا يمكنه المقام معه فيه، أو لا يمكنه المقام إلا بمشقه شديدة فله الخروج من المعتَكَف.
وليس للمعتكف في حال اعتكافه أن يتكسب بالتجارة أو الصناعة، وإنما يستحب له أن يتشاغل بالصلاة وتلاوة القرآن وذكر الله ـ تعالى ـ ونحوها من الطاعات، ويجتنب ما لا يَعنيه من الأقوال والأفعال، ولا يُكثر الكلام، ويَتجنب الجدال والمراء والسباب والفحش.
وقت الاعتكاف :
والوقت الذي يدخل فيه المعتكف إلى معتَكَفه، لمن أراد اعتكافَ العشرِ الأواخر من رمضان، هو قبل غروب شمس يوم الحادي والعشرين من رمضان، ويخرج منه بعد غروب شمس آخر يوم منه، وهذا هو ما ذهب إليه الجمهور ـ الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة ـ وإن كان المالكية والحنابلة يَرَونَ استحبابَ أن يَبيت المعتكف في معتَكَفه ليلة العيد ثم يخرج منه إلى صلاة العيد، ودليل هؤلاء على توقيت دخول المعتكف ما رُوي عن أبي سعيد الخُدريّ رضي الله عنه قال: كان رسول الله ـ
ﷺ ـ يعتكف في العشر الأوسط من رمضان، فاعتكف عامًا، حتى إذا كانت ليلة إحدى وعشرين، وهي الليلة التي يَخرج من صبيحتها من اعتكافه، قال: “من اعتكف معي فليعتكف
العشر الأواخر“. ولأن العشرَ ـ بغير هاءٍ ـ عددُ الليالي، وأول الليالي العشر ليلةُ إحدى وعشرين.
مبطلات الاعتكاف :
ويُبطل الاعتكافَ تعمُّدُ الوقاع، والردةُ، وشربُ المسكر. ولا قضاء على من كان متطوعًا به في هذه الحالة؛ لأن التطوع لا يَلزم بالشروع فيه في غير
الحج والعمرة. ويجب على من أصابته جنابة حال اعتكافه أو أصابتها حيض أن يَخرجَا من المسجد؛ لأن الحيض حدث يمنع اللبث في المسجد، الذي هو موضع الاعتكاف، والجنابة مثله، وقد رُوي عن النبي ـ
ﷺ ـ أنه قال: “لا أُحِلَّ المسجد لحائض ولا جنب” .