إذا دعت الحاجة خروج المرأة للعمل فلا حرج في هذا ووجود رجال معها في مكان العمل لا يجعل خروجها حراما إذا التزم كل من الطرفين بالآداب الشرعية، ولكن إن علمت من نفسها ضعفا وكان بقاؤها في هذا المكان سيترتب عليه فتنة في دينها فتختار لنفسها السلامة وسيجعل الله تعالى لها فرجا ومخرجا وصدق الله العظيم “ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب”..
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: اللقاء بين الرجال والنساء في ذاته ليس محرمًا بل هو جائز أو مطلوب إذا كان القصـد منه المشاركـة في هدف نبيل، من علـم نافع أو عمل صالـح، أو مشـروع خـير، أو جهاد لازم، أو غير ذلك مما يتطلب جهودًا متضافرة من الجنسين، ويتطلب تعاونا مشتركًا بينهما في التخطيط والتوجيه والتنفيذ. ولا يعني ذلك أن تذوب الحدود بينهما، وتنسى القيود الشرعية الضابطة لكل لقاء بين الطرفين، ويزعم قوم أنهم ملائكة مطهرون لا يخشى منهم ولا عليهم، يريدون أن ينقلوا مجتمع الغرب إلينا.. إنما الواجب في ذلك هو الاشتراك في الخير، والتعاون على البر والتقوى، في إطار الحدود التي رسمها الإسلام، ومنها:.
1ـ الالتزام بغض البصر من الفريقين: فلا ينظر إلى عورة، ولا ينظر بشهوة، ولا يطيل النظر في غير حاجة، قال تعالى: (قل للمؤمنين يَغُـضُّوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون.. وقل للمؤمنات يَغْـضُضْنَ من أبصارهن ويحفظن فروجهن). (النور 30، 31).
2ـ الالتزام من جانب المرأة باللباس الشرعي المحتشم: الذي يغطي البدن ما عدا الوجه والكفين، ولا يشف ولا يصف، قال تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها ولْـيَـضْرِبْنَ بخُمُرِهِنَّ على جيُوبهن). (النور: 31). وقد صح عن عدد من الصحابة أن ما ظهر من الزينة هو الوجه والكفان. وقال تعالى في تعليل الأمر بالاحتشام:(ذلك أدنى أن يُعْرَفْنَ فلا يُؤْذَيْنَ) (الأحزاب: 59).أي أن هذا الزيَّ يميز المرأة الحرة العفيفة الجادة من المرأة اللعوب المستهترة، فلا يتعرض أحد للعفيفة بأذى ؛ لأن زيها وأدبها يفرض على كل من يراها احترامها.
3ـ الالتزام بأدب المسلمة في كل شيء، وخصوصًا في التعامل مع الرجال:.
أ – في الكـلام، بحـيث يكـون بعيدًا عن الإغـراء والإثارة، وقد قال تعالى: (فلا تَخْـضَعْنَ بالقول فيطمع الذي في قلبه مَرَضٌ وقلن قولاً معروفًا). (الأحزاب: 32).
ب – في المشي، كما قال تعالى: (ولا يـضربن بأرجلهن ليُعْلَمَ ما يُخْفِين من زينتهن) (النور: 31)، وأن تكـون كالتي وصفها الله بقوله: (فجـاءته إحداهما تمشي على استحياء). (القصص: 25).
جـ – في الحـركة، فلا تتكسر ولا تتمايل، كأولئك اللائي وصفهن الحديث الشـريف بـ ” المميـلات المائـلات ” ولا يـصدر عنهـا ما يجعلهـا من صنف المتبرجات تبرج الجاهلية الأولى أو الأخيرة.
4 ـ أن تتجنب كل ما شأنه أن يثير ويغري من الروائح العطرية، وألوان الزينة التي ينبغي أن تكون للبيت لا للطريق ولا للقاء مع الرجال.
5 ـ الحذر من أن يختلي الرجل بامرأة وليس معهما محرم، فقد نهت الأحاديث الصحيحة عن ذلك، وقالت :” إن ثالثهما الشيطان ” إذ لا يجوز أن يُخَلَّي بين النار والحطب. وخصـوصًا إذا كانت الخلـوة مع أحـد أقارب الـزوج، وفيه جـاء الحـديث: ” إياكـم والدخـول على النسـاء “، قالـوا: يا رسـول الله، أرأيت الحَمْـو ؟ ! قال: ” الحمو الموت ! أي هو سبب الهلاك، لأنه قد يجلس ويطيل الجلوس، وفي هذا خطر شديد. 6 ـ أن يكون اللقاء في حدود ما تفرضه الحاجة، وما يوجبه العمل المشترك دون إسراف أو توسع يخرج المرأة عن فطرتها الأنثوية، أو يعرضها للقيل والقال، أو يعطلها عن واجبها المقدس في رعاية البيت وتربية الأجيال.
ويقول فضيلة الشيخ عطية صقر -رحمه الله تعالى-:
العمل بأيّة مؤسَّسة فيها رجال ونساء مثل المشي في الطُّرُقات وارتياد الأسواق والاجتماعات العامّة، وعلى كل جنس أن يلتزم بالآداب الموضوعة في الشريعة، التي من أهمِّها ما جاء في قوله تعالىقلْ للمُؤمنينَ يَغُضُّوا مِنْ أبْصارِهِمْ ويَحْفَظوا فُرُوجَهُمْ ) (سورة النور : 30) وقوله : ( وقُلْ لِلْمُؤمناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ ويَحْفَظْنَ فُروجَهَنَّ ولاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وليَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ … ) (سورة النور : 31) وما جاء في السّنّة النبويّة من عدم الخلوة المُريبة والملامسة المثيرة والكلام الخاضِع والعطر النّفّاذ والتزاحُم إلى غير ذلك من الآداب.
ومع حفاظ كل جنس على الآداب المطلوبة عليه أن يوجِّه مَن يخالِفها، من منطلق قوله تعالى:( والمُؤمنونَ والمُؤمناتُ بَعْضُهُمْ أَوْليِاءُ بَعْضٍ يَأمُرونَ بِالمَعْروفِ ويَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ ) (سورة التوبة : 71) وذلك بأسلوب حكيم يُرجَى منه الامتثال، أو على الأقل تبرّأ به ذمّتِه من وجوب الوعظ على كل حال كما قال تعالى:( وإذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذابًا شَديدًا قَالُوا مَعْذِرةً إِلَى رَبِّكُمْ ولَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(سورة الأعراف : 164).
ولا يجوز السّكوت على مخالفة الآداب اعتمادًا على قوله تعالى:(عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ)(سورة المائدة:105) فالاهتداء لا يكون إلا بعد القيام بواجب الأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر كما جاء في نصوص أخرى، وإن لم ينتج النُّصح ثمرة وجَب الإنكار بالقلب، وهو يظهر في معاملة المخالفين معاملة تشعرهم بعدم الرضا عنهم ، فقد يفكِّرون في تعديل سلوكهم.
ومن العَسير أن يتركَ الإنسان العمل في مثل هذا المَجال المختلط، فالمجالات كلّها أو أكثرها فيها هذا الاختلاط، سواء على المستوى المحلّي أو العالمي، فعلى مَن يلجأ إلى هذا العمل أن يلتزم بالآداب مع القيام بواجب النصح بالحكمة والموعظة الحسنة.