وفاء النيل وهو زيادة مائه إلى حدٍّ مُعين يبشر بالخير ووفرة المحصول أمر كان يهتم به المصريون من قديم الزمان، ابتهاجًا بوفْرة الماء، كما كانوا يبتهجون بأعياد الحصاد والربيع والمناسبات الخاصة بالزراعة، وقدَّسوا النيل حتى جعلوه إلهًا يتقربون إليه بأنواع الْقُرُبَات التي منها إلقاء عروس مُزَيَّنة فيه وسط احتفال كبير، في شهر توت أو مسرى كل عام.
صحة ما قيل عن عمر بن الخطاب وكلامة مع نهر النيل:
لما فُتحت مصر أبطل المسلمون عادة الاحتفال بوفاء النيل، جاء في “بدائع الزهور لابن إياس” ج1 ص 13 من المختار طبعة الشعب: قال ابن عبد الحكم: لما استقر عمرو بن العاص بمصر جاء إليه القبط وقالوا له: أيُّها الأمير إن لنيلنا سُنَّةً كُلَّ سنة لا يجري إلا بها، فقال لهم: وما هي؟ فقالوا: إذا كانت ليلة اثنتي عشرة من شهر بؤونة من الشهور القبطية عمدنا إلى جارية بِكْر وأخذناها من أبويها غصبًا أو رضاء وجعلنا عليها الحُلي والحُلل ثم ألقيناها في بحر النيل في مكان معلوم. فلما سمع عمرو بن العاص ذلك قال لهم: هذا الأمر لا يكون في الإسلام أبدًا.
فأقام أهل مصر شهر بؤونة وأبيب ومسرى وتوت من الشهور القبطية ، ولم يجر فيها النيل لا قليلاً ولا كثيرًا، فهَمَّ أهل مصر بالجلاء ، فلما أن رأى عمرو بن العاص ذلك كتب كتابًا إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأرسله على يد نجاب، فلما وصل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب كتب بطاقة وأرسلها إلى عمرو بن العاص، وأمره أن يُلقيها في بحر النيل، فلما وصلت إلى عمرو بن العاص فتح تلك البطاقة وقرأ ما فيها وإذا فيها مكتوب: بسم الله الرحمن الرحيم من عبد الله عمر بن الخطاب إلى نِيلِ مِصْر، أما بعد، فإن كنت تجري من قِبَلك فلا تجر، وإن كان الله تعالى الواحد القهار هو الذي يُجريك فنسأل الله تعالى أن يُجريك.
فلمَّا وقف عمرو على ما في البطاقة ألقاها في النيل كما أمره أمير المؤمنين عمر، وقد ألقاها في النيل قبل عيد الصليب بيوم واحد، وعيد الصليب يكون سابع عشر توت ومن الشهور القبطية، وكان قد أجلى غالب أهل مصر من عدم جريان الماء فلمَّا أصبح الناس يوم عيد الصليب رأوا النيل زاد في تلك الليلة ستة عشر ذراعًا في دفعة واحدة ، وقد قطع الله تلك السُّنة السيئة عن أهل مصر ببركة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه.
هذه القصة لو كانت صحيحة لذاع صيتها ، ولانتشر خبرها ، ولتوافرت الهمم على نقلها بالأسانيد الثابتة ؛ لأنه حدث عظيم ، وأمر جليل ، لا يغفل مثله ، بل أدنى منه ، المؤرخون والرواة .
وفي أيام الضعف الإسلامي عاد الاحتفال بوفاء النيل بمراسم لا تتفق مع الدِّين، وتَنَبَّه الغيورون على الدِّين إلى خطورتها فعملوا على إبطالها، كانوا يكتفون بإلقاء تمثال لعروس في النهر، ثم عمدوا إلى مسابقات للجمال بين الفتيات ومظاهر تتنافى مع الدين ومع واجب الشكر لله على وفاء النيل فاستنكرها علماءُ الدِّين.
يقول حسن عبد الوهاب عن هذه الاحتفالات:
إنها تقلَّصت أخيرًا، فأقيمت سنة 1956م في الجيزة، حيث تحركت الباخرة “كريم” وصندل العقبة بالمدعوين إلى المعادي في رحلة نيلية عادوا بعدها إلى القاهرة، وحُرِرَّت حجة الوفاء، ووقعها مفتي الديار المصرية لأول مرة في مكتب محافظ القاهرة، وفي عام 1958م تحركت مركب العقبة روض الفرج إلى “بسوس” ثم عادت، ووقع المندوبون حجة الوفاء بمحافظة مصر.
كيف يكون الاحتفال بوفاء النيل:
مهما يكن من شيء فإن الاحتفال بوفاء النيل يجب أن يكون احتفالاً بنعمةٍ من أكبر نعم الله على مصر، وذلك بشكره سبحانه وحُسن استخدام هذه المياه في خير الناس، والبعد عن تلويثها والإسراف فيها.
وليس هذا الشكر بمظاهر يرتكب فيها ما حَرَّم الله “انظر دائرة معارف الشعب ـ المجلد الأول ص 289 ـ 291” ففيها مظاهر كثيرة لهذا الاحتفال. وفي صفحة 286: كلام عن مقياس النيل بالروضة والآيات القرآنية المنقوشة عليه، وانظر “الفتاوى الإسلامية ـ المجلد العاشر ص 3584” وفيها رد المفتي الشيخ جاد الحق عليه.