لا يجوز بحال أن نحصر تكريم الأم في هذا اليوم فحسب، فالإسلام أمرنا بأن نجل الأم طول العام وجعل ذلك قربة من أعظم القربات، وهي ذكرى طيبة لإبداء مشاعر نبيلة لشخصية حنونة، والحرج الشرعي في الاحتفال في هذا اليوم ينحصر في إطلاق لفظ العيد بالمعنى الشرعي على هذا اليوم فالإسلام شرع لنا عيدين، عيد الفطر وعيد الأضحى، والاحتفال بالأم في هذا اليوم ليس احتفالا دينيا، بل هو لون من ألوان التكريم.

يقول العلامة فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي-رحمه الله تعالى-:
عندما اخترع الغرب عيد الأم قلدناهم في ذلك تقليدًاً أعمى، ولم نفكر في الأسباب التي جعلت الغرب يبتكر عيد الأم ، فالمفكرون الأوربيون وجدوا الأبناء ينسون أمهاتهم ، ولا يؤدون الرعاية الكاملة لهن ، فأرادوا أن يجعلوا يوماً فى السنة ، ليذكروا الأبناء بأمهاتهم ، ولكن عندنا عيد للأم في كل لحظة من لحظاتها فى بيتها ، فالإنسان منا ساعة خروجه من البيت يقبل يد أمه ، ويطلب دعواتها يزورها بالهدايا دائماً ، إذن ليس هناك ضرورة لهذا العيد عندنا ، ولكننا أخذنا ذلك على أنه منقبة من مناقب الغرب ، فى حين أنه مثلبة ، في أوربا يترك الولد أمه تعيش فى ملجأ وأبوه يعيش في مكان لا يدري عنه شيئاً ، وليس في حياتنا مثل ذلك .

فالإسلام أعطانا تكاتفاً وعلى قدر حاجة الأبوين رتب الإسلام الحقوق (‏ أمك ، ثم أمك ، ثم أمك ، ثم أبوك )‏ لأن أباك رجل حتى لو تعرض للسؤال فلا حرج، وإنما الأم لا .

وعندما نستعرض القضية القرآنية في هذا الخصوص {‏ ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا }‏ وجدنا القرآن يوصي بالوالدين، ولكن إذا نظرنا للآية القرآنية نجد أن الحيثيات في الآية للأم كلها ، وفي البداية أتى بحيثية مشتركة ، ثم قال {‏ حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا}‏ الأحقاف: ‏15.

فلماذا ؟ لأن علاقة الأم مع الإنسان قبل أن يعقل ، وهذه نقطة يجب أن ننتبه إليها ، الإنسان لم ير أمه وهي تحمله في بطنها لم ير أمه وهي تتعب في تربيته وهو صغير ، ولكنه رأى أن أباه هو الذي يرعى الأسرة ، إذا طلب شيئاً فأمه تقول له :‏ أبوك .‏إذن الأمور منسوبة إلى الأب كلها ، فأراد اللّه أن يؤكد على الأم فى الحيثيات ليؤكد مكانتها فى الإسلام.

ويقول الدكتور عبد الفتاح عاشور من علماء الأزهر:
الاحتفال بأيام فيها تكريم للناس، أو إحياء ذكرى طيبة لم يقل أحد بأن هذا احتفال ديني، أو عيد من أعياد المسلمين، ولكنه فرصة لإبداء المشاعر الطيبة نحو من أسدوا لنا معروفًا، ومن ذلك ما يعرف بالاحتفال بيوم الأم، أو بعيد الأم، فإن الأم لها منزلة خاصة في دين الله، بل في كل دين، ولذلك يجب أن تكرم، وأن تحترم وأن يحتفل بها.

فلو اخترنا يومًا من أيام السنة يظهر الأبناء مشاعرهم الطيبة نحو أمهم وآبائهم لما كان في ذلك مانع شرعي ،وليس في هذا تقليد للغرب أو للشرق، فنحن نحتفل بهذا اليوم بما لا يخالف شرع الله، بل بالعكس نحن ننفذ ما أمر الله به من بر الوالدين والأم على وجه خاص، فليس في هذا مشابهة ولا تقليد لأحد.

ويقول سماحة المستشار فيصل مولوي -رحمه الله تعالى-نائب رئيس المجلس الأوربي للبحوث والإفتاء-:
تكريم الأم مطلوب على مدار السنة كلّها. واحترامها وطلب مرضاتها وخدمتها وسائر أعمال البرّ مطلوب طلباً مؤكداً في كتاب الله وفي سنّة رسول الله ، مما أصبح مشهوراً على ألسنة جميع الناس.

إلا أن الغربيين اعتادوا على تحديد أحد أيام السنة واعتبروه عيداً للأم، يقوم أولادها فيه بتقديم الهدايا لها وتكريمها. والمسلمون ليس عندهم عيد من الناحية الشرعية إلا عيد الفطر وعيد الأضحى، وما سوى ذلك من مناسبات تحدث فهي لا تتجاوز أن تكون مناسبة أو أن تسمّى مثلاً يوم الأمّ أو ذكرى يوم معيّن. فإذا اعتبرنا ما يسمّيه الغربيون عيداً للأمّ يوماً لتكريمها تكريماً إضافياً فليس هناك مانع شرعي في هذا الأمر.

والحرج الشرعي يكون في اعتبار هذا اليوم عيداً بالمعنى الشرعي. ويكون كذلك في حصر تكريم الأم بهذا اليوم، فإذا انتفى هذان الأمران فلا حرج من تكريم الأمّ في يوم الأمّ، إلا عند الذين يعتبرون ذلك من قبيل تقليد غير المسلمين والتشبّه بهم.

ونحن نعتقد أن تقليد غير المسلمين والتشبّه بهم لا يجوز فيما يكون من خصوصياتهم ولا أصل له في شرعنا. أمّا تكريم الأمّ فله أصل شرعي معروف؛ وبالتالي فإن هذا الأمر لا يعتبر من التشبّه الذي نُهينا عنه.

والله تعالى أعلم.